التعميم 165 بين الجهل والتجاهل . . .

محمد فحيلي/ خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد

بعد أن أفقدت الطبقة السياسية ثقة المواطن بالكيان المالي والمصرفي في لبنان، لم يعد لدى المواطن اللبناني (فرد و مؤسسة) إلا اللجوء إلى البديل الآمن:

  • لجأ المواطن إلى الدولار لأن الليرة فقدت كل ميزات العملة.
  • ولجأ المواطن  إلى الأوراق النقدية لأن المصارف أسأت الأمانة ولم يعد ماتنتجه من شيكات وبطاقات للدفع مصدر ثقة أو راحة بال.

‏تفاقمت الأزمة بسبب اللامسؤولية التي مارستها مكونات الطبقة السياسية في إدارة الأزمة. غياب أي قرار لإنقاذ الإقتصاد، أو إصلاح ما أفسدوه لسنوات. 

اليوم أصبح الإقتصاد يعتمد على التبادل بالأوراق النقدية بنسبة تلامس عتبة ال 80%، وأصبح لبنان ملاذ آمن لجرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، أو هكذا يتهم من قبل المؤسسات الدولية كالبنك الدولي. إضافة إلى ذلك، تفشي التبادل ب “الكاش” جعل من لبنان جنة للمضاربين في سوق الصرف الموازي.

في هذه البيئة المالية والنقدية الملوثة (Toxic Environment) كان لبنان على موعد مع: 

  • مجموعة العمل الدولية (Finamcial Action Task Force – FATF) لتقييم وتصنيف لبنان لجهة تعاونه مع إجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. 
  • وفي المقلب الآخر، كان لبنان على تماس مع البنك الدولي طالباً العون في محاربة الفقر وإدارة أزمة الغذاء؛ 
  • وأيضاً مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى برنامج إنقاذ وتمويل. 

والكل وجه أصابع الإتهام إلى لبنان بأنه بيئة متعاونة مع تبييض الأموال بينما المطلوب هو العكس.

جاء التعميم الأساسي لمصرف لبنان رقم 165 ليجفف الأوراق النقدية ويخفف الإعتماد على الأوراق النقدية في تسديد فواتير الإستهلاك للأفراد، وفواتير المصاريف التشغيلية للمؤسسات.

لا شأن للحسابات ‏بالدولار المحلي في أحكام هذا التعميم. التعميم الأساسي رقم 150 الصادر في 9 نيسان 2020 هو التعميم الذي وضع أرصدة الحسابات بالدولار المحلي في خانة المتعثرة وتعذر سدادها وفق رغبة وإرادة المودع. 

ومن رحم هذا التعميم صدر التعميم الأساسي رقم 151 الذي أجهض الحسابات المكونة قبل تشرين 2019 ومعنونة بالعملة الأجنبية وخطف منها الحياة. تمنن على المودع بأعطاء سعر للدولار المحلي آنذاك 4000 ليرة (اليوم 15000 ليرة).

نعم، إن لم يكن، فكان يجب إصدار التعميم 165 ‏ولبنان على موعد مع مجموعة العمل المالية على مدار الإثني عشر شهر القادمين، فإما لبنان يقوم بترتيب البيت الداخلي ويتفادى التصنيف الأسود، أو التسارع بالتدهور.

الحديث عن التعميم 165 على أنه “كارثة” هو ظلم وإما جهل أو تجاهل لواقع الأمر في لبنان. ماهي إيجابيات هذا التعميم:

  1. يجفف ويخفف التبادل بالأوراق النقدية وقد يؤدي ذلك إلى تدني في الضغوطات التضخمية.
  2. يضيق المساحة على المضاربين والمحتكرين للتحكم بسوق القطع بالعملة الأجنبية ويخفف من الاضطرابات بسعر الصرف في السوق الموازي.
  3. يخفف من مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وهذا ضروري لأن أعين مجموعة العمل الدولية على لبنان.
  4. يساعد في تمكين وتفعيل العمل بوسائل الدفع المتاحة من قبل القطاع المصرفي كالشيكات، وبطاقات الدفع والإئتمان والتحويل ويعيد الحياة إلى قطاع فقد الكثير من حيويته. ويمنح مكونات القطاع الخاص يُسر إستثنائي في تسديد فواتيرهم.
  5. ينفي الحاجة إلى اللجوء إلى طباعة أوراق نقدية من فئة ال 500 ألف و الملوين ليرة لبنانية وفق توصية اللجان النيابية في إجتماعها الأخير.

من الخطأ الكبير تقييم التعميم 165 بمعزل عن التعاميم الأخرى التي صدرت عن مصرف لبنان خلال سنوات الأزمة وكانت تستهدف إحداث إجراءات إستثنائية ولم تكن أبداً حلول. من أهم هذه التعاميم ذات الصلة هي ال 150 و 157 و 161. وأيضاً من الخطأ تقييم هذا التعميم من دون التوقف عند أداء مكونات الطبقة السياسية.

سارع سعادة النائب فريد بستاني لتوصيف التعميم بالكارثة، وغيره بي “بونزي سكيم” جديد، وبعض المصرفيين برفضه ولم يتوقف عند قراءة تفاصيل التعميم والغوص بتداعياته وإيجابياته. مصرف لبنان متهم قبل إدانته ولم يعد مهم إذا تم الإدعاء عليه او لا!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

استثنائية الاقتصاد الأمريكي تعزز الدولار مقابل الين إلى ذروة 34 عامًا

تحليل سوق لليوم عن رانيا جول، محلل أسواق في الشرق الأوسط في XS.com ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ ...

الأسهم اليابانية تغلق على ارتفاع مدفوعة بانتعاش وول ستريت

تحليل الأسواق لليوم عن دانيال تقي الدين، الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ...

أسواق الأسهم الخليجية تستقر وسط تراجع حدة التوترات الجيوسياسية

تحليل السوق التالي عن ميلاد عزار محلل الأسواق المالية لدى XTB MENA ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ ...