تحليل سوق لليوم عن رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
٨ اغسطس ٢٠٢٤
ارتفع مؤشر نيكاي 225 القياسي للبورصة اليابانية بنحو 11% خلال الـ24 ساعة الأخيرة ليبدأ تعاملات اليوم الخميس عند 34695 دولار، بعد أن تسبب في هبوط الأسواق في أوروبا وفي وول ستريت. مرتفعاً عن أعلى مستوى قمة يومية له بنسبة 2% تقريباً.
وبهذا يكون قد ارتفع بأكثر من 3300 نقطة، وهو ما لم يعوض تماما الخسارة الضخمة التي بلغت أكثر من 4400 نقطة عندما انخفض بنسبة 12.4% في أسوأ انخفاض يومي له منذ عام 1987 ليصل إلى أدنى مستوياته في سبعة أشهر مع تزايد احتمالات رفع أسعار الفائدة في اليابان. كما انخفضت الأسهم الآسيوية بنسبة 8%، تبعًا لخسائر وول ستريت.
حيث كانت هذه الانخفاضات هي الأحدث في موجة بيع عالمية بدأت الأسبوع الماضي، ومن وجهة نظري كانت أول فرصة للمتداولين في طوكيو للتفاعل مع تقرير يوم الجمعة الماضي والذي أظهر تباطؤ التوظيف الشهر الماضي في الولايات المتحدة بأكثر من التوقعات. وهي أولى بيانات الاقتصاد الأمريكي التي تأتي أضعف من المتوقع، مما أثار مخاوف من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد شدد سياسته النقدية بشكل مفرط لفترة طويلة من خلال أسعار الفائدة المرتفعة على أمل السيطرة على التضخم .
وأعتقد أن الانخفاضات الأخيرة في الأسواق ربما تكون قصيرة المدى، لكن الخسائر لا تزال قوية. فقد انخفض مؤشر كوسبي في كوريا الجنوبية بنسبة 8.8%، وهبطت عملة البيتكوين إلى ما دون 54 ألف دولار من أكثر من 61 ألف دولار يوم الجمعة الماضي.حتى الذهب، الذي يعتبر ملاذ آمن خلال أوقات الأزمة انخفض بنحو 1%.
وبرأيي يرجع ذلك جزئيًا إلى أن المتداولين بدأوا يتساءلون عما إذا كان الضرر شديدًا لدرجة أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيضطر إلى خفض أسعار الفائدة في اجتماع طارئ، قبل قراره المقرر في 18 سبتمبر. خاصة مع انخفاض العائد على سندات الخزانة لمدة عامين، والذي يتبع بقوة توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي، لفترة وجيزة إلى أقل من 3.70٪ من 3.88٪ في أواخر يوم الجمعة ومن 5٪ في أبريل. ثم تعافى لاحقًا وتراجع إلى 3.89٪.
ومن وجهة نظري، يمكن أن تكون التوقعات لصالح خفض أسعار الفائدة بين الاجتماعات مبالغ فيها وغير منطقية. وذلك لأنه في العادة يتم الاحتفاظ بهذه التخفيضات لحالات الطوارئ، مثلما حدث خلال أزمة كوفيد-19، ومعدل البطالة البالغ 4.3% لا يبدو في الواقع حالة طوارئ خطيرة حالياً.
فالاقتصاد الأمريكي ينمو بوتيرة جيدة ، ولا يزال سوق الأسهم الأمريكية مرتفعًا بشكل صحي لهذا العام، ولا يزال الركود بعيدًا عن اليقين في الوقت الحالي. أيضاً كان بنك الاحتياطي الفيدرالي واضحًا بشأن سياسات التشديد النقدي عندما بدأ في رفع أسعار الفائدة بشكل حاد في مارس 2022 فالتساهل الشديد من شأنه أن يضيف المزيد من الضغط على الاقتصاد، ويمنح التضخم المزيد من القوة ويتسبب في مزيد من المشكلات.
وفي الحقيقة ربما تكون احتمالات الركود في غضون الاثني عشر شهراً المقبلة قد ارتفعت بعد تقرير الوظائف الذي صدر يوم الجمعة الماضي. ولا تزال احتمالات حدوثه بنسبة 25% فقط، ارتفاعاً من 15%، ويرجع هذا جزئياً إلى أن البيانات تبدو جيدة بشكل عام ولم تحدث اختلالات مالية كبرى في الأسواق. وهذا قد يتسبب في انتعاش مؤشر نيكاي 225 في المدى المتوسط.
وربما كانت بعض الانخفاضات الأخيرة التي شهدتها وول ستريت مجرد تصحيحات في سوق الأوراق المالية التي سجلت أعلى مستوياتها على الإطلاق هذا العام، ويرجع هذا جزئيا إلى الهوس بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بعد أن ارتفعت الأسعار بسرعة كبيرة وبشكل مبالغ فيه من أرباح الشركات.
والطريقة الوحيدة التي قد تبدو بها الأسهم أقل تكلفة هي إما أن تنخفض أسعارها أو أن تزداد أرباحها. ولا تزال التوقعات مرتفعة بشأن زيادة ارباحها، مما قد يدعم انتعاش الأسواق حول العالم ومنها مؤشر نيكاي225 في المدى المتوسط والقريب.
كما أن الخطوة التي اتخذها بنك اليابان الأسبوع الماضي برفع سعر الفائدة الرئيسي من الصفر تقريباً . قد تساعد في تعزيز قيمة الين الياباني، ولكنها قد تجبر المستثمرين والمتداولين أيضاً على التخارج من الصفقات التي اقترضوا فيها أموالاً بتكلفة تكاد تكون معدومة في اليابان واستثمروها في أماكن أخرى حول العالم.مما قد يزيد الضغط على أسواق الأسهم، ويجعل الانتعاش يواجه بعض العقبات في المدى القريب. ومن الجدير بالذكر أن بنك اليابان تراجع عن خطط رفع أسعار الفائدة مستقبلاً، مما أثر بشكل غير مباشر على تقلبات أسواق الأسهم العالمية ونتج عنه ضعف الين بشكل ملحوظ مقابل الدولار.
كما قلصت عائدات سندات الخزانة خسائرها مؤخراً بعد صدور تقرير يفيد بأن نمو قطاع الخدمات في الولايات المتحدة كان أقوى قليلاً من المتوقع. ولكن أسهم الشركات التي ترتبط أرباحها ارتباطاً وثيقاً بقوة الاقتصاد تكبدت خسائر حادة بسبب المخاوف من تباطؤ الاقتصاد. فقد هبطت أسهم الشركات الصغيرة المدرجة في مؤشر راسل 2000 بنسبة 3.3%، لتمحو بذلك الانتعاش الذي شهدته في السوق.
ومن وجهة نظري فإن ما جعل الأمور أسوأ بالنسبة للأسواق، هو تراجع أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى بعد أن دفعت أبل وإنفيديا وعدد من أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى المعروفة باسم ” السبعة الرائعين ” مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى قاع قياسي بعد أرباح مبالغ فيها هذا العام، حتى مع ارتفاع أسعار الفائدة.
وهذا برأيي تسبب في تحول زخم شركات التكنولوجيا الكبرى الشهر الماضي بسبب مخاوف من أن أسعار أسهمها قد ارتفع إلى مستويات مبالغ فيها للغاية وأن التوقعات بشأن النمو المستقبلي أصبحت صعبة. هذا غير أن مجموعة من تقارير الأرباح المخيبة للآمال والتي بدأت بتحديثات من شركتي تسلا وألفابت أضافت إلى التشاؤم ودعمت هذه الانخفاضات التصحيحية.
وبعيداً عن كل هذا ربما تتفاقم حدة التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط ، وهو ما قد يؤدي إلى تقلبات حادة في أسعار النفط، وهذا من شأنه أن يزيد من المخاوف في الأسواق، في حين قد تؤدي الانتخابات الأميركية المقبلة إلى مزيد من الاضطراب، وقد تؤثر التقلبات الحادة في أسعار الأسهم على الانتخابات نفسها من جهة أخرى.فمن المرجح أن يؤدي التهديد بالركود إلى وضع نائبة الرئيس كامالا هاريس في موقف ضعيف. ولكن النمو الأبطأ قد يؤدي أيضًا إلى خفض التضخم بشكل أكبر وإجبار الرئيس السابق دونالد ترامب على التحول من تركيزه الحالي على ارتفاع الأسعار إلى تحديد طرق لدعم انتعاش الاقتصاد.
ففي النهاية يتلخص الأمر في بيانات الوظائف لأنها تدفع الإنفاق من جانب المستهلكين الأميركيين، والذي يشكل بدوره الجزء الأكبر من الاقتصاد الأميركي.وهنا تعتبر أرقام معدل البطالة في غاية الأهمية خلال الفترة المقبلة خاصة قبل اجتماع الفيدرالي في سبتمبر.