نيكي يتراجع والين يرتفع: هل تعيد تعريفات ترامب الجمركية رسم خريطة المخاطر في الأسواق؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) 

انخفض مؤشر نيكي الياباني بشكل حاد بنسبة 4%، متجاوزًا خسائر وول ستريت، في ظل تزايد حالة العزوف عن المخاطرة في الأسواق المالية العالمية. وجاء هذا التراجع في وقت يتزامن فيه مع نهاية الربع ونهاية السنة المالية في اليابان، مما دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم مراكزهم الاستثمارية. إضافة إلى ذلك، فإن القلق المتزايد بشأن سياسات التعريفات الجمركية التي يخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرضها والتي أعلنها في 2 أبريل قد أثار موجة من المخاوف بشأن تداعياتها المحتملة على التجارة العالمية. وبرأيي هذه العوامل ساهمت في تعزيز الطلب على الين الياباني كملاذ آمن، ما أدى إلى ارتفاعه مقابل العملات الرئيسية، خاصة الدولار الأمريكي.

ومن وجهة نظري، تشير التطورات الأخيرة إلى أن الأسواق تستعد لمرحلة جديدة من التقلبات، مع تصاعد المخاوف من أن سياسات ترامب الحمائية التي قد تؤدي إلى حرب تجارية واسعة النطاق. فالرئيس الأمريكي يدرس إعادة فرض تعريفات جمركية شاملة على معظم الواردات، مع التركيز بشكل خاص على الشركاء التجاريين الذين تعتبرهم إدارته غير منصفين. وقد يكون لهذه الخطوة تأثير مباشر على سلاسل التوريد العالمية، لا سيما في آسيا، حيث تعتمد العديد من الاقتصادات على التصدير إلى الولايات المتحدة. وفي ظل هذه البيئة غير المستقرة، يتحول المستثمرون إلى الأصول الأكثر أمانًا مثل السندات الحكومية والذهب، وهو ما أدى إلى انخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، وسجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تراجعًا بنسبة 2% أيضاً.

وبالنسبة للاقتصاد الياباني، جاءت البيانات الأخيرة مختلطة، حيث أظهر الإنتاج الصناعي تحسنًا ملحوظًا، في حين انخفضت مبيعات التجزئة، مما يشير إلى ضعف الطلب المحلي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الين الياباني استفاد من توجهات المستثمرين نحو الملاذات الآمنة، مما أدى إلى تراجع زوج الدولار/الين إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أسابيع ونصف. 

ومن وجهة نظري هذا الانخفاض جاء نتيجة لعمليات بيع مكثفة على الدولار الأمريكي، مدفوعة بتوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يتجه إلى تخفيض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة، في ظل تباطؤ بيانات الإنفاق الشخصي في الولايات المتحدة. حيث تشير التوقعات الحالية إلى أن الفيدرالي قد ينفذ ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة هذا العام، وهو ما قد يقلص الفارق بين السياسة النقدية الأمريكية واليابانية، ويعزز قوة الين.

كما يجدر بنا الاشارة إلى أن الأسواق الآسيوية شهدت تطورات بارزة، حيث أصدر بنك الشعب الصيني أول دفعة من السندات السيادية الخاصة بقيمة 500 مليار يوان، في محاولة لدعم النظام المالي وتحفيز الاقتصاد المتباطئ. كما سجلت مؤشرات مديري المشتريات في الصين وكوريا الجنوبية تحسنًا، مما يشير إلى بوادر انتعاش اقتصادي في المنطقة، رغم الضغوط العالمية. 

وأعتقد أن زوج الدولار/الين لايزال يواجه ضغوطًا بيعية، حيث أن التوجه العام للسوق يشير إلى استمرار الاتجاه الهبوطي، خاصة مع تكثيف عمليات البيع على الدولار الأمريكي. وأي محاولة لتعافي الزوج قد تُعتبر فرصة بيع، ومن المرجح أن تبقى مستويات المقاومة قوية عند 148.50، في حين أن الدعم الرئيسي التالي يقع عند 146.00، وإذا كسر هذا المستوى، فقد يمتد الاتجاه الهبوطي نحو 144.80.

أما بالنسبة لمؤشر نيكي، فإن الضغط البيعي قد يستمر في الأجل القريب، لا سيما إذا استمرت حالة العزوف عن المخاطرة وتفاقمت التوترات التجارية. وقد تشهد الأسواق موجة جديدة من التذبذب، خصوصًا مع ترقب المستثمرين لبيانات التوظيف الأمريكية وتطورات السياسات النقدية في كل من الولايات المتحدة واليابان.

وفي النهاية، يبدو لي أن الأسواق العالمية تدخل مرحلة من عدم اليقين، حيث تلعب السياسة دورًا رئيسيًا في توجيه تحركات الأسعار. فإذا استمر ترامب في تصعيد السياسات الحمائية، فقد نشهد المزيد من التقلبات في الأسهم والعملات، مع احتمالية استمرار ارتفاع الين الياباني باعتباره ملاذًا آمنًا. وفي المقابل، إذا تراجعت حدة التوترات التجارية أو أرسل الاحتياطي الفيدرالي إشارات أكثر وضوحًا بشأن مستقبل أسعار الفائدة، فقد تتغير تحركات السوق بشكل سريع. وفي كل الأحوال، تبقى المرونة والتحليل الدقيق للعوامل الأساسية ضروريين لتحديد الاتجاهات المستقبلية في بيئة مالية معقدة وسريعة التغير…​