كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
بينما يتجاوز سعر البيتكوين مستوى الـ84 ألف دولار، تعود الأسواق إلى مشهد مألوف من الحماسة المفرطة، الممزوجة بالقلق والترقّب. وبرأيي، قفزة بنسبة 8% خلال ساعات قليلة بعد إعلان ترامب تعليق الرسوم الجمركية تؤكد مرة أخرى أن البيتكوين لم تعد مجرد عملة مشفرة هامشية، بل أصبحت مؤشرًا حساسًا لحالة الاقتصاد العالمي، ورد فعل مباشر على قرارات الجغرافيا السياسية. ومن منظور تحليلي، هذا الارتفاع لا يعكس فقط إلغاء الرسوم، بل يعكس إدراك السوق لقوة هذه العملة كأصل بديل، يُلجأ إليه عند اختلال التوازنات في الأسواق التقليدية.
كما أن تصريحات لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، لعبت دورًا جوهريًا في تعزيز هذه القفزة. فحين يُعلن أحد أبرز مديري الأصول في العالم أن انهيارًا محتملًا في الأسواق بنسبة 20% يمثل “فرصة شراء”، فإنه لا يوجه فقط مستثمري التجزئة، بل يهيئ السوق لموجة مؤسسية ضخمة تتجه نحو الأصول المشفرة، وعلى رأسها البيتكوين. واللافت أن فينك لم يعارض فكرة الهبوط، بل تبنّاها، واضعًا إياها في سياق “تكتيكي” يراه متسقًا مع التحولات الهيكلية الكبرى في الأسواق. ومن وجهة نظري، لا يُفهم ارتفاع البيتكوين الأخير كحالة شاذة، بل كخطوة منطقية في ضوء انهيار الثقة بالأسواق التقليدية وتزايد الرغبة في التحوّط.
وأعتقد أن ردة فعل الأسواق كانت حادة، لكنها ليست مفاجئة. فمنذ فترة ليست بالقصيرة، يتصرف البيتكوين كما لو أنه “مؤشر الخوف العالمي”، ويرتفع كلما اضطربت الرؤية وازدادت أجواء السياسة والاقتصاد ضبابية. وتاريخيًا، تأتي الفجوات السعرية الكبرى دائمًا في أعقاب تصريحات أو أحداث ضخمة، تمامًا كما حصل هذا الأسبوع. ومع بلوغ السعر 83,600 دولار، بعد قاع يومي عند 74,700 دولار، تكون العملة قد حققت قفزة بـ13% خلال يومين فقط. ومن الناحية الفنية، هذا يشير إلى ضغط شراء قوي، ولكنه أيضًا يدعم موجة جني أرباح متوقعة عند مستوى المقاومة النفسي التالي قرب 85,000 دولار، الذي يراه العديد من المتداولين “جدار بيع” مؤقت.
وبرأيي الصورة لا تكتمل دون النظر إلى البيانات الحاسمة. فالأسواق بانتظار تقارير التضخم من الولايات المتحدة والصين خلال الساعات القادمة. وهذا يعني أن أي تفاؤل مبني على إجراءات ترامب وتعليقات فينك لا يزال هشًا وقابلًا للارتداد. وهذا يخلق بيئة مثالية للتقلبات العالية، والتي لا تحتمل قرارات متسرعة. فالدخول في مراكز كبيرة حاليًا قد يكون محفوفًا بالمخاطر، خاصة وأن البيتكوين تاريخيًا يُظهر سلوكًا انعكاسيًا بعد الصدمات السياسية أو الاقتصادية الكبرى.
لكن هناك سيناريو آخر لا يمكن تجاهله: ماذا لو جاءت بيانات التضخم إيجابية أو على الأقل “أقل سوءًا من المتوقع”؟ ففي هذه الحالة، قد نكون أمام موجة صعود متسارعة تدفع البيتكوين نحو اختراق 88,800 دولار، وهو المستوى الفني التالي قبل أن تبدأ التوقعات بالحديث الجدي عن الوصول إلى مستوى 100 ألف دولار. وإذا اقترن هذا السيناريو باستمرار تصريحات سياسية تدعم الانفتاح الاقتصادي مثل ما صدر عن ترامب، فقد يتحول هذا التقدير الطموح إلى أمر واقعي في المدى القصير.
ولا شك بأن الخطوة الأخيرة لترامب ساهمت في تهدئة المخاوف من تصعيد تجاري قد يؤدي إلى ركود عالمي. فتعليق الرسوم على 75 دولة – مع الإبقاء على التصعيد تجاه الصين – كان كافيًا لدفع البيتكوين والأسهم العالمية إلى الأعلى. وهذا التحوّل يؤكد أمرين: أولًا، أن الأسواق لا تحتاج دائمًا إلى حلول شاملة، بل تكتفي أحيانًا بإشارات إيجابية قوية. وثانيًا، أن البيتكوين بات يتفاعل بنفس طريقة المؤشرات الكبرى مثل ناسداك وS&P 500، وهو تطور نوعي في سلوكه كأصل مالي.
كما أن الارتفاع الذي شهده قطاع العملات المشفرة لم يكن محصورًا في البيتكوين، بل شمل الإيثريوم، والريبل، وسولانا، وغيرها من الأصول المشفرة، والتي سجلت مكاسب يومية بنسب مزدوجة. وبرأيي هذا الزخم يطرح سؤالًا مهمًا: هل نحن أمام فقاعة مؤقتة جديدة، أم بداية مسار صعودي طويل الأمد؟ وجهة نظري تميل إلى الترجيح الثاني، بشرط أن تستمر المؤشرات الاقتصادية الكلية في التحسّن، وأن تُترجم “فرصة الشراء” التي تحدث عنها فينك إلى دخول فعلي من قبل الصناديق الكبرى والمؤسسات المالية.
وهنا أرى أن البيتكوين لم يعد مجرّد فقاعة مضاربية أو ملاذًا ضد التضخم فقط. بل إنه أصبح، بمرور الوقت، عنصرًا حساسًا يتفاعل مع السياسة، الاقتصاد، وحتى المزاج الشعبي. وبين نبوءة لاري فينك وجرأة ترامب، نجد أنفسنا أمام لحظة مفصلية قد تدفع بالسوق إلى آفاق جديدة. والوصول إلى 100 ألف دولار لم يعد حلمًا بعيدًا، بل احتمالًا واقعيًا إذا ما استمرت هذه العوامل في التصاعد. ولكن كما هي الحال دومًا في الأسواق، فالسؤال الأهم ليس إن كان السعر سيصل إلى هذا الرقم، بل متى… وما الذي قد يمنعه الآن؟ والاجابة نجدها في النظرة الفنية.