كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
شهدت سوق العملات المشفرة قفزة غير مسبوقة تجاوز فيها سعر البيتكوين 99,000 دولار أمريكي، مدعومًا بإعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن “صفقة تجارية كبرى” مع “دولة كبيرة ومحترمة”. هذا الإعلان المفاجئ عبر منصة “تروث سوشيال” لم يكن مجرد خبر سياسي؛ بل كان بمنزلة شرارة أعادت إشعال شهية المخاطرة في الأسواق العالمية، خصوصًا بعد فترة من الحذر بسبب حالة عدم اليقين حول السياسة التجارية الأميركية. ومن وجهة نظري، أرى أن هذه التصريحات، حتى وإن لم تكن مصحوبة بتفاصيل رسمية فورية، تعكس رغبة واضحة من ترامب في توجيه بوصلة الأسواق، وربما تمهيد لدعم توجهاته الاقتصادية مستقبلاً. والسوق تفاعل بقوة، ليس فقط بسبب محتوى الخبر، بل بسبب الجهة المُصدرة له والضغط الجيوسياسي الحساس الذي صدر فيه.
وفي الوقت ذاته، شهدت الأسواق الآسيوية ارتفاعات ملحوظة، مما يدل على استجابة عالمية لهذا الخبر. ومن الواضح أن أي تخفيف محتمل للقيود الجمركية بين الولايات المتحدة ودول كبرى من شأنه أن يعزز النشاط التجاري العالمي ويقلل من الضغوط التضخمية، مما ينعكس إيجابًا على أسواق الأسهم والسلع والعملات الرقمية. وأعتقد أن هذا النوع من التطورات سيزيد من شهية المستثمرين نحو الأصول الخطرة، وعلى رأسها العملات المشفرة، والتي ارتبطت مؤخرًا ارتباطًا وثيقًا بأداء أسواق الأسهم.
كما بلغت القيمة السوقية للعملات المشفرة 3 تريليونات دولار، مما يعكس موجة ضخمة من عمليات التصفية لمراكز البيع القصيرة برافعة مالية، حيث تم محو أكثر من 71.4% من تلك المراكز خلال 24 ساعة فقط. وهذا التحول الحاد يعكس مدى هشاشة المراكز المدينة، ويؤكد في الوقت ذاته أن السوق أصبح شديد التأثر بالتطورات السياسية والاقتصادية المفاجئة. وبرأيي، يُظهر هذا الرقم أننا قد نكون أمام تحول هيكلي في شهية المستثمرين نحو العملات المشفرة، مع بروز البيتكوين كملاذ آمن بديل في فترات الغموض السياسي والاقتصادي.
وفيما يتعلق ببيانات CoinGlass، فإن تصفية أكثر من 106,000 مركز تداول، بقيمة إجمالية تجاوزت 291 مليون دولار، يشير إلى انفجار في تحركات السوق مدفوعة بجانب نفسي وعاطفي أكثر من كونه فنيًا بحتًا. لذا أرى أن هذه الأرقام تكشف عن تحركات سوقية غير ناضجة، حيث تتحكم الأخبار العاجلة بمنطق “القطيع” في قرارات المضاربين، وهو ما يفتح المجال لتقلبات حادة خلال الفترة القادمة.
ومن وجهة نظري، يعتبر تجاوز البيتكوين لمستوى 97,000 دولار، الذي كان يُعد مقاومة نفسية قوية، يمثل انطلاقة جديدة قد تؤسس لموجة صعود تتجاوز 100,000 دولار إذا ما استمرت المعنويات الإيجابية، خصوصًا في بعد قرار الفيدرالي الأمريكي والتلميحات بشأن سياساته القادمة. وفي ظل تعليق الفائدة عند 4.5% للاجتماع الثالث على التوالي، ومع وجود مؤشرات على احتمال خفض الفائدة خلال الربع الثاني، قد نرى مزيدًا من التدفقات نحو البيتكوين باعتباره أصلًا غير مرتبط مباشرة بعائدات الفائدة.
وبالتوازي، برزت العملات الرقمية البديلة مثل SUI وSolana وAlpaca كوجهات جديدة للمضاربين، مستفيدة من تصاعد الاهتمام ببروتوكولات العائد والمراهنة. حيث اجتذبتSUI وحدها أكثر من 1.7 مليار دولار في حجم تداول خلال 24 ساعة، متجاوزةً أصولًا معروفة مثل DOGE وBNB، وهو ما يشير إلى أن المستثمرين يبحثون عن الفرص الأعلى مخاطرة وربحًا. لذا أرى أن هذا التوجه يحمل في طياته فرصًا ومخاطر كبرى، فبينما يستفيد البعض من هذه الطفرات السريعة، قد يواجه السوق أيضًا موجة تصحيحات قاسية في حال تبخرت هذه الزخمات اللحظية.
وفي هذا السياق، أجد أن ترقية Ethereum الأخيرة “Pectra” تمثل تطورًا تقنيًا مهمًا، يعزز من مرونة الشبكة واستعدادها لاستيعاب النمو المتوقع في تطبيقات الويب 3.0، خاصة من حيث قابلية التوسع والكفاءة. ومن وجهة نظري، فإن هذه الترقية تُعد خطوة ذكية تعزز من شركة الإيثيريوم كمنصة متكاملة وليست مجرد أصل رقمي مضاربي.
وفي سياق التنظيم، يُشير توسع Crypto.com في واشنطن إلى تحول استراتيجي من قبل الشركات الكبرى نحو التفاعل الإيجابي مع المنظمين الأميركيين، وهو ما أعتبره عاملًا بالغ الأهمية في تسريع وتيرة تبني العملات الرقمية بشكل مؤسسي. لأن هذه الخطوة تنطوي على محاولة لبناء جسور الثقة مع الجهات التنظيمية الأميركية، خاصة في ظل تصاعد النقاش حول ضرورة تقنين هذه السوق وضمان استقرارها وحماية مستثمريها.
وأخيرًا، مع استقرار القيمة السوقية عند 3.1 تريليون دولار، والانخفاضات الطفيفة في بعض العملات الرقمية الأخرى، أرى أن هذه التراجعات يمكن قراءتها كموجات تصحيح وجني أرباح طبيعية تسبق الموجة الصعودية التالية، لا سيما في ظل استمرار الزخم على البيتكوين. وإذا ما واصل المستثمرون تقييم بيئة الفائدة والعلاقات التجارية العالمية على هذا النحو المتفائل، فإن قطاع العملات المشفرة قد يشهد اختراقًا جديدًا لمستويات تاريخية قبل نهاية النصف الأول من العام الحالي.