مؤتمر في الجامعة الأميركية في بيروت يستكشف سُبُلَ استعادة الثقة المالية بلبنان

الدكتور طارق متري: “الشفافية والمساءلة والإصلاح المؤسّساتي شروط مسبقة للدعم الدولي والانتعاش على المدى الطويل”

استضافت الجامعة الأميركية في بيروت مؤتمراً بعنوان “استعادة الثقة المالية بلبنان: بناء النزاهة لمستقبل أفضل.” جمع المؤتمر خبراء ماليين وصنّاع سياسات وأكاديميين من لبنان والمنطقة، انخرطوا في نقاشات جذرية حول واقع لبنان المالي لاستكشاف المخاطر النُظُمية، والاتجاهات الناشئة، والحلول العملية الهادفة إلى استعادة المساءلة المالية والثقة العامة. تم تنظيم المؤتمر من قبل مبادرة الممارسة والسياسات التجارية في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال، بالتعاون مع مرصد الحوكمة الرشيدة والمواطَنة، في الجامعة.

بعد النشيد الوطني اللبناني ونشيد الجامعة، افتتح المؤتمر رسمياً بكلمة ترحيبية من رغدة قواس، اختصاصية المعرفة والسياسات العامة في المبادرة. قائلة، “نجتمع لمعالجة بعض التحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجهها البلاد وللانخراط في حوار بنّاء يمهّد الطريق لإصلاح فاعل للسياسات. ومن خلال هذا الحوار، نهدف إلى تعزيز تبادل المعرفة والمساهمة في الانتعاش الاقتصادي اللبناني ومناعته على المدى الطويل”.

وكيل الشؤون الأكاديمية في الجامعة الدكتور زاهر ضاوي مثّل رئيس الجامعة الدكتور فضلو خوري في حفل الافتتاح، وتحدث عن خطورة التحديات الحالية الجاثمة أمام لبنان، قائلاً، “الثقة، وهي ربّما العنصر الأهم في أي نظام وظيفي، قد استنفدت. وعلى الرغم من كل الانتكاسات، لا يمكننا إلا أن نركّز انتباهنا على الإمكانية والفرصة.”

وشدّد ضاوي على أهمية مبادرة الممارسة والسياسات التجارية، ومرصد الحوكمة الرشيدة والمواطَنة، في الجامعة الأميركية في بيروت. ووصفهما بالمثال اللامع للتعاون بين الاختصاصات. وأكّد الوكيل ضاوي، “المبادرة والمرصد على بيّنة أن الانتعاش المالي ليس فقط لعبة أرقام، بل هو أيضاَ لعبة أفراد محورها النزاهة، الشفافية، المسؤولية والمساءلة. ومحورها القيادة.” وأنهى كلامه بدعوة استنفار إلى عمل جماعي، حاثّاً جميع قطاعات المجتمع على التآزر.

الدكتور يوسف صيداني، عميد كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال، تحدّث عن الدور المفصلي للمؤسّسات التعليمية، بما في ذلك كليات إدارة الأعمال، في تشكيل مستقبل يعتمد على الشفافية والأخلاقيات. وأشار إلى أن هذه المؤسّسات، مع توفيرها للمعارف الأساسية، مدعوة بالقدر ذاته من الأهمية إلى غرس قيم مثل المسؤولية الاجتماعية في نفوس طلابها. وقال، “لدينا دور نلعبه في بناء شخصية طلابنا. وقد حاولنا فعل ذلك بطرق متعددة منها تضمين الأخلاقيات وتجلّيات مسؤوليتنا الاجتماعية في العديد من مقرراتنا الدراسية. ولكن إلى جانب تضمين بناء الشخصية في المناهج الدراسية الرسمية، هناك الكثير من الفرص لبناء الشخصية خارج المناهج، في التجارب التي نعرضها على لطلابنا”. وختم صيداني، “هذا في رأيي دورنا في الجامعة الأميركية في بيروت وفي كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال، تعزيزاً للثقة المالية بلبنان وبمؤسّساته”.

مدير مرصد الحوكمة الرشيدة والمواطَنة في الجامعة الدكتور سيمون كشر، أبرز الدور المحوري للمشاركة المدنية في استعادة الثقة بالحوكمة. وقال، “الشفافية ومكافحة الفساد ليست أهدافًا تجريدية؛ انها نتائج، يمكن قياسها، لمشاركة مدنية قوية. ومن دون مواطنين مستنيرين ومشاركين، تفقد الحوكمة بوصَلتها. وهذا هو السبب في أن عمل المرصد يركز ليس فقط على نقد النُظُم، بل أيضاً على تحويلها، بدءاً من جذورها الأولى”.

وأضاف كشر، “إن السبب الجوهري وراء استمرار لبنان وأهميته هو قبل كل شيء شعبه، وهذا ما يجب أن يكون. شعبه، ليس فقط كمستفيد سلباً من إصلاح، بل كمحرّك نشط للتغيير. لقد عانى بلدنا من التآكل العميق للثقة في المؤسسات العامة. لكن الدواء لذلك ليس اليأس، بل المشاركة الفاعلة. وهذا ما نسعى إلى زرعه”.

مديرة مبادرة الممارسة والسياسات التجارية الدكتورة نيفين أحمد أكّدت على إلحاح موضوع المؤتمر، قائلة، “إن استعادة الثقة المالية في لبنان هي واحدة من التحدّيات العاجلة التي تواجه البلاد اليوم، وهي تتطلب إجراءات ملموسة وقابلة للقياس. وهذا يشمل إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي ومناقشة واعية لأخطاء الماضي وخارطة طريق واضحة نحو الاستقرار المالي والنقدي. وبالمقدار ذاته من الأهمية، تتطلب حواراً مفتوحاً بين صنّاع السياسات والخبراء الماليين والمجتمع المدني لإنشاء ملكية مشتركة للإصلاح. فقط من خلال استعادة الثقة بالمؤسسات وتعزيز التفاعل الاجتماعي، يمكن للبنان أن يتقدم إلى مستقبل اقتصادي أكثر استقرارا واشتمالية ومنعة”.

نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني الدكتور طارق متري ألقى الخطاب الرئيسي في المؤتمر مقدّما نظرة عامة على الإصلاحات المستمرّة للحكومة، مع التركيز على إعادة بناء ثقة الجمهور واستعادة المصداقية للنظام المالي للبنان. وأكد على أهمية الشفافية والمساءلة والإصلاح المؤسّساتي كشروط مسبقة للدعم الدولي والانتعاش على المدى الطويل. وفي أساس خطاب الدكتور متري ارتسمت ثلاثة جهود تشريعية رئيسية: قانون رفع السرية المصرفية الذي تم إقراره مؤخراً؛ وقانون مقترح لإدارة البنوك المخفقة وحماية المودعين والنظام المالي والاقتصاد الأوسع؛ وقانون يهدف إلى معالجة العجز المالي للبنان بشكل عادل ومسؤول.

وقال متري، “هذه القوانين ليست إصلاحات تقنية فقط. إنها دليل بياني حول أي لبنان نودّ أن نبني. إنها مخطّط اختباري للعدالة. وخطوة مهمة نحو استعادة ثقة اللبنانيين وثقة الشركاء الدوليين”.

وأردف، “التوقعات مرتفعة للغاية، ليس فقط بين اللبنانيين، ولكن بين أصدقاء لبنان العرب والدوليين. إن الحصول على دعمهم، وعلى الدعم الدولي، مشروط بالتدابير الملموسة على مسار الإصلاحات. وهذا غالباً ما يقال لنا، مراراً وتكراراً، وبإسهاب. لقد تبنّت الحكومة بعض هذه التدابير وهي أقل من تلك التي نرغب في تحقيقها، لكننا نحضّر الكثير غيرها. نود أن نضمن أن مؤسّسات شفافة وذات مصداقية سوف تنفّذ هذه الإصلاحات”.

وتوالى المؤتمر مع سلسلة من الخطب الرئيسية وجلسات النقاش التي ركّزت على الحوكمة الرشيدة والانتعاش الاقتصادي والتنمية المستدامة.

المدير السابق في البنك الدولي الدكتور جمال الصغير قدّم تحليلًا لأكلاف وأرباح تعزيز النزاهة وكبح الفساد في لبنان. وناقش التكلفة المذهلة للفساد في لبنان، وأشار إلى أن الفساد في جميع أنحاء العالم يكلف 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حيث خسر لبنان مليارات الدولارات، خاصةً بالنظر إلى إجمالي الناتج المحلي للعام 2018 البالغ 55 مليار دولار. وأضاف أن الفساد في البلدان النامية يكلف 1.3 تريليون دولار سنوياً، وهذا المبلغ قادر أن يرفع 1.4 مليار شخص فوق خط الفقر.

وأشار، “مع استمرار لبنان بالمعاناة من انهيار متعدّد الأوجه، ومع إشارة بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف اللبنانيين قد باتوا تحت خط الفقر، أصبحت مواجهة الفساد مسألة صراع للبقاء بالنسبة إلى لبنان.” وأضاف أنه يجب إعطاء الأولوية لتدابير ملموسة لمكافحة الفساد وتنفيذها ومراقبتها من قبل الحكومة اللبنانية والمجتمع المدني والجامعات والمجتمع الدولي، لأن هذه مكوّنات أساسية لأي خطة لانتشال البلاد.

وختم، “صحيح أن تعزيز النزاهة في لبنان يحمل تكاليف سياسية واقتصادية على المدى القصير، لكن الفوائد على المدى الطويل كبيرة، وخاصة في استرجاع الثقة العامة، واستعادة النمو الاقتصادي، واستقطاب المساعدات الدولية.”

تتابع المؤتمر مع سلسلة من المناقشات التي غطّت مواضيع رئيسية وضمّت مروحة متنوعة من الخبراء. المناقشة الأولى، “من النُظُم إلى الضمانات: نهج شامل لمكافحة الفساد،” تكلّم فيها كبير مستشاري المشروع الإقليمي لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية أركان السبلاني؛ ورئيس ديناميات الحوكمة وكبير مسؤوليها في مجموعة “بيئة” فادي صيداني؛ والخبير الاقتصادي والخبير المالي العام اسكندر البستاني؛ ورئيس الحوكمة وبناء الدولة في قسم إدارة القضايا الناشئة والنزاعات في الاسكوا الدكتور يونس أبو أيوب. وأشرف على النقاشات مديرة المشاركة الشركاتية في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال رانيا عويضة مارديني.

القاضي جورج عطيه، رئيس مجلس التفتيش المركزي في لبنان، تحدث عن دور التفتيش المركزي في الإصلاح القانوني العام، وتلاه الدكتور سيمون كشر، المدير المؤسّس لمرصد الحوكمة الرشيدة والمواطَنة، والمحاضر في العلوم السياسية، وهو تناول أهمية الحوكمة الجيدة في استعادة المساءلة وإعادة بناء الثقة في النظام المالي.

بعد ذلك عُقد حوار بعنوان “التنظيمات المصرفية والاستقرار المالي: استعادة الثقة بنظام لبنان المالي.” وشارك في الحوار رئيس مجلس إدارة مصرف آي اند سي بنك وكبير تنفيذييه جان الرياشي، وأستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور اسحق ديوان، ورئيس فرع لبنان في جمعية مدققي الاحتيال المعتمدين الدكتور حسين طرّاف. وأدار الحوار مدير برنامج الماجستير للمالية في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال الدكتور محمد فاعور. واختتم المؤتمر بكلمة للبروفسور في المالية عاصم صفي الدين.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...