توقعات حركة الدولار/الين: هل يستمر صعود الدولار مقابل الين أم يقترب الزوج من نقطة انعكاس؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

شهد الين الياباني في الآونة الأخيرة تراجعًا حادًا أمام الدولار الأمريكي، في تطور يعكس توترًا متصاعدًا في الأسواق اليابانية تجاه أدوات الدين طويلة الأجل والتوجهات النقدية المستقبلية. وأرى أن هذه التراجعات لا تُعبر فقط عن ضعف فني في العملة، بل تشير إلى تحولات أعمق في المنظومة المالية اليابانية، لا سيما في ظل الاستعدادات لتقليل من السياسة التيسيرية التي ظلت ركيزة الاقتصاد الياباني لعقود. والخروج الأخير لزوج الدولار/الين من قناته الهبوطية وتكوينه شمعة ابتلاع صعودية ليست مجرد حركة فنية عابرة، بل هي بداية موجة قد تمتد، ما لم يظهر تدخل جوهري من السلطات اليابانية.

والقرار المحتمل من وزارة المالية اليابانية لتقليص إصدار السندات طويلة الأجل (من 20 إلى 40 عامًا) وسط ضعف في الطلب وتصاعد في التقلبات، يكشف عن قلق متزايد من المستثمرين بشأن مستقبل عوائد السندات اليابانية. فلقد شهدنا بالفعل تراجعًا كبيرًا في عوائد هذه السندات بمجرد تسرب الخبر، وهو ما يؤكد حساسية السوق تجاه أي إشارة تفيد بإعادة ضبط استراتيجية الدين العام. وفي هذه الحالة، فإن الانخفاض الحاد في الين لا يبدو مفاجئًا، بل هو استجابة منطقية لفجوة العائد المتزايدة بين اليابان والدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي ما زالت تحتفظ بعوائد مرتفعة تدعم الدولار.

ومن اللافت هنا أن تراجع عوائد سندات الحكومة اليابانية لم يأت كنتيجة مباشرة لتغير في أساسيات الاقتصاد، بل كرد فعل استباقي لقرار لم يُتخذ بعد بشكل رسمي. وهذا يُظهر فقدانًا تدريجيًا للثقة من قبل المستثمرين المحليين والدوليين في أدوات الدين طويلة الأجل اليابانية، ويطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة على إدارة هيكل ديونها بشكل فعال في ظل بيئة عالمية تتسم بارتفاع أسعار الفائدة. وفي اعتقادي، هذا التوجه سيدفع بنك اليابان إلى إعادة النظر في جدولة خروجه من السياسة النقدية التيسيرية، خصوصًا بعد التلميحات بتقليص برنامج التيسير الكمي في العام المالي 2026.

وإذا نظرنا إلى حركة الأسواق، فإن الأسواق تميل عادة إلى تسعير المستقبل وليس الحاضر. وعليه، فإن أي تأخير أو غموض في استراتيجية تقليل التيسير قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط على الين، خاصة إذا واصلت الفجوة في أسعار الفائدة بين اليابان والولايات المتحدة في الاتساع. وقد رأينا تأثير ذلك على أرض الواقع، حيث قفز الدولار/الين بشكل ملحوظ وتخلى عن الاتجاه الهابط الذي دام أسبوعين، في مشهد يوحي ببداية موجة صعودية جديدة قد تستمر على المدى المتوسط.

ومن الناحية السياسية، تواجه اليابان تحديات إضافية، لعل أبرزها الضغوط المتزايدة على الإنفاق العام في ظل اقتراب الانتخابات. وهذا العامل يجعل أي تخفيض فعلي في الإصدارات طويلة الأجل مرهونًا بحسابات دقيقة. وهنا، أرى أن الحكومة قد تجد نفسها مضطرة إلى زيادة إصدار السندات القصيرة الأجل لتعويض الفجوة، وهو ما قد يؤدي إلى انحدار منحنى العائد بشكل أكثر حدة، ويضيف طبقة جديدة من التعقيد للسياسة النقدية في البلاد.

وهنا، قد يكون بنك اليابان في موقف لا يُحسد عليه، إذ إنه مُطالب من جهة بتهدئة التقلبات، ومن جهة أخرى بالتحضير لخروج من التيسير دون الإضرار بثقة المستثمرين أو خلق فجوات تمويلية خطيرة. وإن بقيت السياسات المالية والنقدية على نفس المسار المتردد، فإن الدولار/الين قد يواصل الارتفاع نحو مستويات جديدة، وربما يتخطى حاجز 160 في حال لم تظهر إشارات حاسمة من بنك اليابان أو تدخلات مباشرة في سوق الصرف.

وفي النهاية، ومن وجهة نظري التحليلية، فإن الوضع الراهن يفرض على المستثمرين والمحللين التركيز على ثلاثة محاور رئيسية: هيكل الدين الياباني واستراتيجية الإصدارات الجديدة، توجهات بنك اليابان في ما يخص التيسير الكمي، والفجوة المتزايدة في العوائد مقارنةً بالاقتصادات الكبرى. وإذا لم يحدث تغيير جوهري في أحد هذه المحاور، فإن التوقعات تميل إلى مزيد من ضعف الين، ومزيد من القوة النسبية للدولار الأمريكي على المدى المتوسط، مدفوعة بعوامل اقتصادية ومؤسسية أكثر منها مضاربية أو فنية.

التحليل الفني لـ الدولار / الين ( USDJPY ):

من الناحية الفنية، يظهر الرسم البياني اليومي لزوج الدولار الأمريكي/الين الياباني خروجًا واضحًا من القناة الهابطة التي استمرت نحو أسبوعين، تزامنًا مع تشكّل شمعة ابتلاع صعودية قوية. وهذا النمط الكلاسيكي يوحي بتحوّل في السيطرة من جانب البائعين إلى المشترين، خاصة وأن الشمعة اخترقت أدنى مستوى سابق ثم أغلقت فوق أعلى نقطة من اليوم السابق. وهذا السلوك السعري الإيجابي يعزز احتمالية استمرار الارتفاع، خصوصًا إذا استقرت الأسعار فوق مستوى المقاومة الذي يختبره السعر حالياً 145.90.

Image
USDJPY 29.05.2025

كما أن المتوسط المتحرك الأسي لـ 50 يومًا يبقى محوريًا في هذه الظروف، وإذ شكّل مقاومة قوية واضحة عدة مرات خلال العام الجاري، ويبدو أن الأسعار تقترب حاليًا من إعادة اختباره. فإذا تمكن السعر من اختراق هذا الحاجز والاستقرار فوقه، فإن ذلك سيعد بمثابة تأكيد على انتهاء الاتجاه الهابط متوسط المدى وبداية موجة صعودية جديدة. ومع تحسن مؤشرات الزخم، وتحديدًا تقاطع مؤشر الاستوكاستك صعودًا من منطقة التشبع البيعي، تزداد احتمالية الصعود على المدى القصير إلى المتوسط.

ومن ناحية أخرى، يبقى السيناريو السلبي قائمًا ما لم يتم اختراق المقاومة الحالية بنجاح، حيث سيواجه السعر ضغوطًا بيعية متجددة قد تدفعه نحو مستوى الدعم القريب عند 142.40. وكسر هذا المستوى سيدعم الهبوط نحو اختبار قاع أبريل قرب 140.00، خاصة إذا تراجعت شهية المخاطرة عالميًا أو ظهرت مفاجآت من جانب السياسة النقدية اليابانية. وعليه، تبقى الحركة التالية للسعر مرهونة برد فعله حول المتوسط المتحرك، حيث يشكّل نقطة توازن بين المشترين والبائعين.

مستويات الدعم: 144.00 – 142.40 – 139.88

مستويات المقاومة: 145.90 – 148.65 – 149.53

x

‎قد يُعجبك أيضاً

Bybit تعتمد خطة أمنية شاملة لحماية مصالح متداولي العملات الرقمية بعد اختراق تاريخي بمليار دولار

تواصل Bybit، ثاني أكبر منصات تداول العملات الرقمية حول العالم من حيث حجم التداول، كتابة ...

مجلس جديد لنقابة المستشفيات في لبنان برئاسة البروفسور بيار يارد

بتاريخ 12/ 6/ 2025، انتخبت الهيئة العامة لنقابة المستشفيات في لبنان هيئة مكتب جديدة على ...

فريق الشؤون القانونية في غلوب مد يحرز جائزة Legal Tech Innovation المرموقة لعام 2025 من Lexzur

كُرّمت مجموعة غلوب مد، مجموعة الشركات الرائدة في إدارة مطالبات التأمين الصحي في الشرق الأوسط ...