كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
شهد الين الياباني مؤخرًا ارتفاعًا ملحوظًا مقابل الدولار الأمريكي، وهو تحرك لم يكن مفاجئًا بالنظر إلى تطورات عدة تتقاطع عند نقطة التقاء دقيقة بين التباطؤ الاقتصادي الأمريكي والتشدد الحذر لبنك اليابان. ومن وجهة نظري، فإن هذا التغير يعكس واقعًا جديدًا في ميزان القوى النقدية بين الاقتصادين، حيث بدأت بوادر التراجع في قوة الدولار بالظهور نتيجة بيانات اقتصادية ضعيفة، في الوقت الذي تعزز فيه اليابان توجهاتها نحو تشديد نقدي حذر. وهذا التبدل في المشهد الكلي يدعم تحولات محتملة في مسار أسعار الصرف على المدى القريب والمتوسط.
وأرقام التوظيف الصادرة من الولايات المتحدة، وتحديدًا تقريرADP الذي سجل فقط 37 ألف وظيفة جديدة في مايو مقارنة بتوقعات كانت تتجاوز 110 آلاف، ترسل إشارة واضحة إلى ضعف زخم سوق العمل. يضاف إلى ذلك قراءة مؤشرISM لمديري المشتريات في قطاع الخدمات، والذي جاء دون مستوى 50 نقطة – وهي الحدود الفاصلة بين النمو والانكماش – مما يعزز فرضية دخول قطاع الخدمات، الأضخم في الاقتصاد الأمريكي، في مرحلة تراجع. وهذه المؤشرات تضغط على الاحتياطي الفيدرالي لتغيير نهجه نحو تخفيض أسعار الفائدة بشكل أسرع مما كان متوقعًا، وربما حتى قبل اجتماع سبتمبر، خاصة مع بروز خطر الركود بصورة غير مباشرة من خلال بيانات سوق العمل.
وفي ضوء هذه التطورات، لا يمكن تجاهل الدور الحاسم لتوقعات الفائدة، لا سيما وأن الأسواق بدأت فعليًا تسعر خفضًا للفائدة بنسبة تقارب 60% في سبتمبر. وهذا التحول في المزاج النقدي الأمريكي يُقلص من جاذبية الدولار، لا سيما في وجه عملة مثل الين الذي لطالما تمتع بدور الملاذ الآمن في أوقات التوتر الاقتصادي والجيوسياسي. ومع هبوط العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى ما دون 4.36%، فإن الضغط الهبوطي على زوج الدولار/ين يتزايد، خاصة مع تجاوزه نقطة الدعم 143.00 واتجاهه نحو 142.60 وربما أدنى من ذلك.
وفي المقابل، يبرز بنك اليابان كلاعب فاعل على الساحة النقدية بطموحات جديدة مدفوعة بتضخم محلي بدأ يتحرك بوضوح نحو الهدف المرجو عند 2%. ومع أن المحافظ أويدا لا يزال حذرًا، إلا أن تصريحاته الأخيرة تشير إلى التزام ضمني برفع تدريجي للفائدة إذا استمرت وتيرة التضخم في الارتفاع. وهذا بدوره يدعم الين، ليس فقط من حيث التوقعات، بل أيضًا من خلال تقليص الفجوة بين عوائد السندات الأمريكية واليابانية، وهو ما لطالما شكل المحرك الرئيسي لتحركات زوج الدولار/ين.
ولكن لا يخلو الوضع من التحديات. فدخول رسوم جمركية جديدة من الولايات المتحدة على واردات الألومنيوم والصلب، بنسبة تصل إلى 50%، يشكل تهديدًا مباشرًا لصناعات التصدير اليابانية، ويضغط على تكلفة الإنتاج بشكل قد يترجم إلى تضخم مستورد. وهذا النوع من التضخم “غير المنتج” يمثل صداعًا لبنك اليابان، الذي سيُجبر على الموازنة بين مكافحة التضخم ودعم النمو، لا سيما في ظل تراجع الطلب الخارجي. لذلك، رغم التوجه المبدئي نحو رفع الفائدة، قد يبقى نطاق التحرك محدودًا نسبيًا، وهو ما قد يحد من المكاسب الطويلة الأجل للين في حال تراجعت الضغوط على الدولار لاحقًا.
وعندما أنظر إلى تدفقات رؤوس الأموال، أرى أن شهية المستثمرين نحو الملاذات الآمنة تبقى حافزًا مهمًا لتدعيم الين، خاصة في بيئة يسودها القلق الجيوسياسي وتذبذب أداء الأسواق المالية العالمية. فعندما يرتفع مؤشر التقلبات(VIX) ويظهر مزيد من التوتر في أسواق الأسهم، غالبًا ما يتحول المستثمرون نحو الين والذهب، وهو ما شهدناه في الأسابيع الأخيرة. والعلاقة بين هذه الأصول والين ليست مجرد مصادفة، بل تعكس ترابطًا بنيويًا يرتكز على العزوف عن المخاطرة وتفضيل الأصول المستقرة.
وفي ضوء ما سبق، أعتقد أن الاتجاه العام لزوج الدولار/ين خلال الأشهر المقبلة سيكون نحو مزيد من التراجع، مع احتمالات وصوله إلى مستوى 141.00 إذا استمرت الضغوط على سوق العمل الأمريكي، وتراجعت عوائد السندات دون 4.30%. أما في حال طرأت مفاجآت إيجابية على بيانات التضخم أو النمو الأمريكي، فقد نرى ارتدادًا محدودًا إلى مستويات 143.40 – 144.20، خاصة إذا عادت عوائد السندات للارتفاع فوق 4.44%. ومع ذلك، فإن المسار الأقل مقاومة يبدو حاليًا في صالح الين، على الأقل في الأجل القصير إلى المتوسط.
وفي النهاية، نحن أمام مفترق طرق نقدي يعكس توازنًا هشًا بين اقتصادات كبرى تتأرجح بين التباطؤ والتشدد. وتراجع الدولار ليس فقط نتيجة ضعف داخلي، بل أيضًا بسبب تحول تدريجي في السياسة النقدية اليابانية. ومع دخول المزيد من العوامل التجارية والجيوسياسية على الخط، فإن تحركات السوق قد تستمر في تفضيل الين، ليس فقط كعملة مضادة للدولار، بل كخيار استراتيجي في محفظة أي مستثمر يراقب المستقبل بعين الحذر والتحوط.
التحليل الفني لـ الدولار/ الين ( USDJPY ):
يُظهر الرسم البياني 4 ساعات لزوج الدولار الأمريكي/الين الياباني (USD/JPY) تشكل نموذج فني كلاسيكي واضح من نوع “الرأس والكتفين” مع كسر لخط العنق بالقرب من المستوى 142.40، مما يعزز احتمالات استمرار الاتجاه الهابط. فبعد فشل السعر في الاستقرار أعلى منطقة المقاومة النفسية حول 144.00، عاد الزوج لاختبار منطقة الدعم الحرجة قرب 142.00، والتي تتماشى مع مستوى دعم سابق (S1) يمثل قاعدة قاع مزدوج سابقة. وإذا تم كسر هذا المستوى بإغلاق يومي واضح، فقد يدعم مزيد من الهبوط نحو مستوى 141.00 كهدف أولي، وربما حتى 140.00 في حال تسارعت الضغوط البيعية.
![]() |
والتحركات السعرية الحالية تتقاطع مع معطيات اقتصادية داعمة لهذا السيناريو، حيث أن ضعف بيانات سوق العمل الأمريكي وتراجع مؤشر مديري المشتريات غير الصناعي يزيدان من احتمالات قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في الربع الثالث من العام، وهو ما يضغط على الدولار الأمريكي ويخفض من العوائد على السندات الأمريكية لأجل عشر سنوات (دون مستوى 4.36%). وفي المقابل، يواصل بنك اليابان الإشارة إلى استعداده لرفع أسعار الفائدة إذا استمر التضخم في التسارع، مما يضيق الفجوة بين السياسات النقدية للبلدين ويدعم المزيد من القوة للين على المدى القصير إلى المتوسط.
ومن زاوية الزخم الفني، يُظهر مؤشر الستوكاستيك تقاطعًا سلبيًا في المنطقة المحايدة ويبدأ في التوجه نحو مناطق التشبع البيعي، مما قد يشير إلى مساحة إضافية لهبوط السعر قبل أي تصحيح فني. وأي فشل في اختراق 143.96 مجددًا سيؤكد بقاء البائعين في السيطرة، بينما يعتبر الإغلاق فوق 144.20 إشارة إبطال للسيناريو الهابط واستئناف محتمل للاتجاه الصاعد قصير الأجل. وفي ظل الصورة الاقتصادية الحالية ووضوح النموذج الفني، تبقى النظرة مائلة نحو السلبية ما لم تظهر مفاجآت أمريكية إيجابية تغيّر توقعات الفائدة المرتقبة.
مستويات الدعم: 142.00 – 141.00 – 140.00
مستويات المقاومة: 143.96 – 146.28 – 148.63