الجنيه الإسترليني يتجاوز 1,3700 أمام الدولار: هل سيستمر هذا الرالي بين ضغوط التضخم الأمريكي ومخاوف الركود البريطاني؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) 

يواصل زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي تسجيل مكاسب متتالية، ليبلغ أعلى مستوياته منذ يناير 2022، متجاوزًا مستوى 1.3700 خلال التداولات الآسيوية اليوم، وهو ما يعكس تحولًا واضحًا في موازين القوى بين الاقتصادين البريطاني والأمريكي على المدى القصير. وهذا الرالي اللافت في الجنيه الإسترليني يتغذى على عوامل متعددة، منها ما هو مرتبط بالسياسات النقدية، ومنها ما يرتبط بالجغرافيا السياسية والتوقعات الاقتصادية، مما يجعلنا أمام مشهد معقد يتطلب قراءة دقيقة لتحديد ما إذا كان هذا الصعود مستدامًا أم مجرد رد فعل ظرفي مؤقت.

وبرأيي، أحد أبرز المحفزات لصعود الإسترليني هو تراجع الدولار الأمريكي على خلفية تصريحات جيروم باول، التي عكست درجة من الحذر والارتباك في التعامل مع البيئة الاقتصادية الحالية، خاصة في ظل تصاعد الخطاب الحمائي من قبل الرئيس ترامب. ففي الوقت الذي يشير فيه باول إلى ضرورة “الانتظار والترقب” وعدم التسرع في خفض الفائدة، يُحذر في ذات الوقت من أن الرسوم الجمركية الجديدة التي يهدد بها ترامب قد تؤدي إلى تضخم أكثر استمرارية. وهذه الإشارات المزدوجة أضعفت ثقة المستثمرين في استقرار السياسة النقدية الأمريكية، ودفعت المتداولين للبحث عن ملاذات بديلة أو فرص استثمارية أكثر وضوحًا، وهو ما انعكس في تراجع الطلب على الدولار.

ومن ناحية أخرى، ورغم التحديات الاقتصادية الداخلية في بريطانيا، فإن تحسن شهية المخاطرة عالميًا، لا سيما بعد التوصل إلى وقف إطلاق نار هش بين إسرائيل وإيران بوساطة أمريكية، لعب دورًا مهمًا في دعم العملات التي تُعتبر أكثر عرضة للمخاطرة مثل الجنيه الإسترليني. ففي مثل هذه الأوقات التي تهدأ فيها التوترات الجيوسياسية مؤقتًا، يميل المستثمرون إلى الابتعاد عن الدولار كملاذ آمن، ويُفضلون العملات التي ترتبط بأصول ذات عوائد أعلى، خاصة مع مؤشرات تعافٍ نسبي في الاقتصاد البريطاني المتوقع ظهوره في أرقام الناتج المحلي الإجمالي المنتظرة.

ورغم ذلك، لا ينبغي التغافل عن الصورة الكلية للاقتصاد البريطاني، والتي لا تزال تُظهر علامات ضعف ملموسة. فتصريحات محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، أمام لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس اللوردات، كشفت عن تباطؤ متزايد في سوق العمل البريطاني، وتراجع في نمو الأجور، إلى جانب مؤشرات على تزايد الخمول الاقتصادي. وهذه العوامل قد تُجبر بنك إنجلترا على تبني سياسة أكثر تيسيرًا في المستقبل القريب، مما قد يحد من الزخم الصعودي الحالي للجنيه. وإذا ما جاءت أرقام الناتج المحلي الإجمالي أقل من التوقعات، فقد نشهد تصحيحًا حادًا في الزوج، خاصة إذا ترافقت مع مفاجآت سلبية في تصريحات بيلي خلال المؤتمر السنوي لغرف التجارة البريطانية.

وفي المقابل، فإن الضبابية التي تخيّم على مستقبل قيادة الاحتياطي الفيدرالي تُضيف عنصرًا آخر من عدم اليقين في السوق الأمريكية. والحديث عن احتمالية استبدال باول بشخصيات مثل كيفن وارش أو كيفن هاسيت، وكلاهما يُنظر إليهما على أنهما أقرب إلى توجهات ترامب الاقتصادية، قد يؤدي إلى تحول في سياسات الفيدرالي خلال الأشهر القادمة. وهذا الاحتمال، وإن لم يكن مؤكدًا بعد، كافٍ لإثارة توتر المستثمرين وتقليص الرهانات على استقرار السياسة النقدية الأمريكية، مما يُضعف الدولار ويمنح دفعة إضافية للعملات الأخرى، وفي مقدمتها الإسترليني.

لكن برغم كل هذا، يبقى السؤال الأهم: هل سيستمر هذا الرالي؟ من وجهة نظري، فإن استمرار الصعود يعتمد على توافر عدة شروط معًا. أولها، أن تؤكد البيانات البريطانية المرتقبة (لا سيما أرقام الناتج المحلي الإجمالي) وجود تحسن فعلي في الأداء الاقتصادي، بما يضمن استمرار بنك إنجلترا في تجنب خفض أسعار الفائدة. ثانيًا، يجب أن تستمر حالة عدم اليقين في الولايات المتحدة، سواء على صعيد القيادة النقدية أو اتجاهات السياسة التجارية، بما يُبقي الضغط قائمًا على الدولار. ثالثًا، ينبغي ألا تتجدد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط بشكل يُعيد الأسواق إلى حالة من الذعر ويدفعها مجددًا نحو الأصول الآمنة مثل الدولار.

وفي الوقت الحالي، قد نشهد استمرار التحرك الصاعد لزوج الإسترليني/الدولار الأمريكي ليختبر منطقة 1.3780 وربما حتى 1.3850 في حال جاءت بيانات الناتج المحلي الإجمالي البريطاني إيجابية وترافقت مع أرقام ضعيفة من الولايات المتحدة. لكن إذا خيّبت البيانات التوقعات أو استعاد الدولار زخمه بفعل أي تطور سياسي أو اقتصادي مفاجئ، فقد يعود الزوج سريعًا إلى اختبار دعم 1.3600، وربما أدنى من ذلك. وبالتالي، فإن على المتداولين والمستثمرين التعامل مع هذا الصعود بحذر، وتجنب الافتراضات المطلقة بشأن اتجاه الزوج، خاصة في ظل عالم لا يزال مضطربًا سياسيًا واقتصاديًا.

بالمحصلة، يمكنني القول إن صعود الجنيه الإسترليني إلى هذه المستويات المرتفعة أمام الدولار ليس مجرد صدفة أو ردة فعل مؤقتة، بل يعكس في جوهره تصاعد الشكوك حول الدولار الأمريكي أكثر مما يعكس قوة متينة في الاقتصاد البريطاني. ومع ذلك، فإن هشاشة المعطيات البريطانية وتذبذب التوقعات الأمريكية يُبقيان هذا الزوج في دائرة التقلبات العالية، ويجعلان من أي رهان طويل الأجل على استمرار الاتجاه الصاعد أمرًا محفوفًا بالمخاطر ما لم تتأكد الأسس الاقتصادية الداعمة لهذا المسار خلال الأسابيع المقبلة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أسواق الأسهم الخليجية تواصل زخمها الصعودي

تحليل الأسواق لليوم عن جوزف ضاهرية، كبير استراتيجيي الاسواق في TickMill تداولت معظم أسواق الأسهم ...

الذهب ما بين التفاؤل التجاري والمخاوف الكامنة حول الاقتصاد الأمريكي

بقلم سامر حسن، محلل أسواق أول في XS.com يتراجع الذهب للجلسة الثانية على التوالي فيما يبقى ...

الدولار ينتعش متداولا قرب أدنى مستوياته في سنوات وسط ترقبات الأسواق للفيدرالي والتوترات التجارية

تحليل الأسواق لليوم عن أسامة الصيفي، المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في Traze  سجل ...