ترامب يشعل فتيل الحرب التجارية مجددًا: هل يقود التصعيد الجمركي ارتفاع الدولار/الين إلى ما فوق 150؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

ارتفع زوج الدولار الأمريكي/الين الياباني بشكل ملحوظ في تداولات أمس ، ليتجاوز اليوم الثلاثاء المستوى النفسي 146.00، في ظل تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة واليابان وارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية. وبرأيي هذه القفزة في سعر الصرف لم تأت من فراغ، بل جاءت مدفوعة بعدة عوامل سياسية واقتصادية مترابطة، في مقدمتها التهديدات الأخيرة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25% على جميع الواردات اليابانية إلى الولايات المتحدة ابتداءً من الأول من أغسطس/آب المقبل. وهذه الرسوم، إذا طُبّقت فعليًا، ستفتح فصلاً جديدًا من النزاع التجاري بين واشنطن وطوكيو، يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب التجارية الأميركية-الصينية، والتي ساهمت في اضطراب الأسواق وتقلب العملات.

وفي ظل ذلك، يبرز الدولار الأمريكي كأصل جذاب مدعوم بعوامل عدة، أهمها قوة الاقتصاد الأمريكي، خاصة بعد صدور بيانات الوظائف غير الزراعية التي فاقت التوقعات الأسبوع الماضي، مما عزز التفاؤل بشأن استمرار متانة سوق العمل. وهذا الأداء القوي خفف من احتمالات قيام الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة في الأجل القريب، وهو ما دفع عوائد سندات الخزانة الأميركية للارتفاع، حيث تجاوز العائد على السندات لأجل 10 سنوات مستوى 4.45%. وفي بيئة اقتصادية كهذه، يصبح الدولار الأمريكي أكثر جاذبية للمستثمرين، لا سيما بالمقارنة مع الين الياباني الذي يعاني من بيئة منخفضة العائد ونظرة نقدية متساهلة من قبل بنك اليابان.

كما أن التحركات السياسية التي تشهدها العلاقة بين الولايات المتحدة واليابان عززت المخاوف من اندلاع موجة جديدة من الحمائية التجارية، خاصة مع إصرار الرئيس ترامب على فرض الرسوم، وتلويحه بتصعيد إضافي إذا أقدمت طوكيو على إجراءات انتقامية. وهذا النهج يرسل إشارات سلبية للمستثمرين في الأسواق العالمية، الذين عادة ما يفضلون الاستقرار التجاري والسياسي. ومن اللافت أن المفاوضات التي قادها كبير المفاوضين التجاريين اليابانيين ريوسي أكازاوا مع نظيره الأميركي لم تُثمر عن تقدم يُذكر، مما يزيد من احتمالات تنفيذ هذه التعريفات الجمركية بشكل فعلي. وإذا ما تم تنفيذها، فقد نشهد رد فعل قويًا من الأسواق اليابانية، وربما تدخلًا مباشرًا من بنك اليابان في سوق العملات، وهو أمر أصبح أكثر احتمالية مع اقتراب سعر الصرف من مستويات قد تُعتبر مفرطة في الضعف بالنسبة للين.

وفي الوقت ذاته، يبدو لي، أن الين الياباني لم يتأثر بميزته كملاذ آمن، وهو ما يتضح من تراجع الطلب عليه رغم ارتفاع المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية المحيطة. فعلى مدار سنوات، كان يُنظر إلى الين كخيار دفاعي للمستثمرين في أوقات التوتر، لكن السياسة النقدية فائقة التيسير التي يتبعها بنك اليابان أدت إلى إضعاف جاذبية العملة اليابانية. فالبنك لا يزال متمسكًا بسياسة أسعار الفائدة السلبية، مع مؤشرات اقتصادية محلية ضعيفة، لا سيما بيانات الأجور التي جاءت مخيبة للآمال في آخر أرقام، وهو ما أضعف التوقعات بشأن اتجاه البنك نحو تشديد السياسة النقدية في الأمد القريب. وفي ضوء هذه المعطيات، من الطبيعي أن نشهد تحولًا في تفضيلات المستثمرين نحو الدولار، الذي يُقدم عائدًا أعلى وثقة أكبر في ظل الظروف قريبة المدى الحالية.

وبالنسبة لي إن تجاوز زوج الدولار/الين لمستوى 146.00 يُعتبر إشارة صعودية واضحة، قد تدعم استهداف مستويات أعلى مثل 147.80 وربما 150.00 في حال استمرار الزخم الحالي. وهذا السيناريو يبدو مرجحًا في ظل بقاء العائدات الأمريكية مرتفعة وتواصل التوتر التجاري بين واشنطن وطوكيو. ومن الناحية الزمنية، فإن اقتراب موعد تنفيذ الرسوم الجمركية في الأول من أغسطس قد يبقي الضغط قائمًا على الين، ويدفع المستثمرين إلى التحوط من مزيد من التدهور في العملة اليابانية، مما يعزز من عمليات الشراء على الدولار/الين.

ومع ذلك أعتقد أنه، ستبقى بعض العوامل التي قد تُعيد التوازن لحركة الزوج، أبرزها احتمال تدخل السلطات اليابانية في سوق العملات، كما حدث في مراحل سابقة عندما تجاوز الدولار/الين مستويات غير مرغوبة. فبنك اليابان ووزارة المالية اليابانية لطالما أكدا على أهمية استقرار العملة، خاصة في ظل اعتماد الاقتصاد الياباني الكبير على الواردات. وإذا ما تجاوز الزوج 150.00، فقد يدفع ذلك السلطات إلى التدخل بشكل مباشر أو إرسال إشارات لفظية قوية تهدف إلى كبح الاندفاع السعري. كما لا يمكن استبعاد أن تؤدي أي انفراجة في المفاوضات التجارية إلى تقليص الضغوط على الين، خاصة إذا ما تم تأجيل أو إلغاء الرسوم الأميركية.

وفي المجمل، أرى أن الاتجاه الصعودي لزوج الدولار/الين لا يزال قائمًا على المدى القريب، مدفوعًا بالعوامل الاقتصادية والسياسية التي ترجح كفة الدولار بشكل واضح في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن استمرار هذا الاتجاه مرهون بتطورين رئيسيين: أولًا، مدى التزام الإدارة الأميركية بتنفيذ الرسوم الجمركية، وثانيًا، رد فعل السلطات اليابانية على ضعف الين. وإذا ما بقيت هذه العوامل على حالها، فإننا نتجه إلى اختبار مستويات تاريخية مرتفعة للدولار/الين، أما إذا حدثت تغييرات مفاجئة، فقد نشهد تصحيحًا سريعًا وقويًا في الاتجاه. لذا فإن الحذر والتحليل المستمر للتطورات الجيوسياسية يظلان ضروريين لكل من يتعامل مع هذا الزوج الحساس.

التحليل الفني لـ الدولار/ الين ( USDJPY ):

يُظهر الرسم البياني لزوج الدولار الأمريكي/الين الياباني على الإطار الزمني لأربع ساعات هيكلًا فنيًا داعمًا للاتجاه الصعودي، حيث تمكّن الزوج من اختراق المقاومة المحورية عند 146.00 بشكل واضح، مما أكد استمرار الزخم الصعودي. وهذا الاختراق جاء مدعومًا بتكوين واضح لموجات دافعة صاعدة (1-5) بدأت من القاع عند منطقة 143.50 تقريبًا، ووصلت حاليًا إلى القمة المؤقتة عند 146.17، والتي تُعتبر المقاومة النفسية الحالية. وتشير المؤشرات الفنية، ولا سيما مؤشر ستوكاستيك المتواجد في منطقة التشبع الشرائي، إلى إمكانية حدوث تصحيح فني هابط قبل استئناف الصعود.

ومن الناحية الفنية، يتماسك الزوج فوق دعم مهم عند مستوى تصحيح فيبوناتشي 23.6% للحركة الصاعدة من قاع أبريل، والممتد قرب 144.70. كما يتقاطع المتوسط المتحرك البسيط لـ50 يومًا عند مستوى 144.58، مما يعزز من قوة منطقة الدعم الممتدة ما بين 144.70 إلى 144.00. وأي تراجع ضمن هذا النطاق يمكن اعتباره فرصة للشراء طالما أن السعر يحافظ على التداول فوق خط الاتجاه الصاعد الممتد من قاع أبريل عند 139.89، وهو ما يُبقي البنية الصعودية سليمة. كما أن الثبات أعلى من هذه المنطقة سيحافظ على التوقعات الإيجابية، خاصة وأن السعر لم يكسر حتى الآن القمم الصاعدة السابقة.

ومع الاستمرار فوق المقاومة 146.00، فإن الأنظار تتجه نحو أهداف صعودية لاحقة عند مستوى 147.14، وهو مستوى فيبوناتشي 38.2% للتراجع من قمة يونيو، يليه المقاومة التالية عند 148.03، وهي أعلى قمة مسجلة في يونيو، ثم المستوى 149.38 كتصحيح بنسبة 50%. وفي المقابل، كسر الدعم 144.37 سيُعد إنذارًا أوليًا لبداية ضعف في الزخم الصعودي، لكن التوقعات العامة تظل إيجابية طالما أن الزوج يتداول فوق خط الاتجاه والدعم للمتوسطات المتحركة.

مستويات الدعم: 144.53 – 143.54 – 142.90

مستويات المقاومة:  146.17 – 147.92 – 148.50

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...