توقعات مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) وسط انقسام الفيدرالي ورسوم ترامب الجمركية

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com– منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

شهد مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) تراجعًا لافتًا إلى مستوى 97.30، منخفضًا من أعلى مستوى له في أسبوعين، على خلفية إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن حزمة جديدة من الرسوم الجمركية شملت عددًا من الدول النامية والصاعدة. وهذا الانخفاض بنسبة 0.17% يعكس تفاعل الأسواق الفوري مع تصاعد التوترات التجارية مجددًا، وسط قلق واسع النطاق من تداعيات هذه السياسات الحمائية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي. ومن وجهة نظري، فإن الأسواق تتسم بحساسية عالية تجاه سياسات ترامب التجارية التي تفتقر إلى الاتساق والوضوح، حيث تمثل عنصرًا كبيرًا من عدم اليقين يؤثر على ثقة المستثمرين وعلى التدفقات الرأسمالية.

فالإعلان عن فرض رسوم بنسبة 50% على البرازيل، وهي نسبة مرتفعة نسبيًا، يحمل دلالة سياسية واقتصادية مزدوجة، ويشير إلى أن الإدارة الأمريكية ما زالت تستخدم أدوات الرسوم الجمركية كسلاح تفاوضي وسياج دفاعي باسم الأمن القومي. كما أن إدراج دول مثل الجزائر وليبيا والعراق وسريلانكا ضمن قائمة الضرائب الجديدة يفتح الباب أمام تساؤلات حول دوافع هذا التصعيد وتوقيته، خاصة أنه يأتي في وقت عدم يقين يسيطر على الأسواق. وفي اعتقادي، فإن هذه التحركات قد تُترجم إلى تباطؤ في التبادل التجاري وزيادة في تكاليف الإنتاج للعديد من القطاعات الأمريكية، لا سيما الصناعية، مما يزيد من الضغوط التضخمية على المدى القصير، ويقلص من تنافسية الشركات الأمريكية على المدى البعيد.

إضافة إلى ذلك، فإن قرار ترامب بفرض رسوم جديدة على واردات النحاس الأمريكية بنسبة 50% اعتبارًا من الأول من أغسطس، بعد تقييم مرتبط بالأمن القومي، يشير إلى تنامي نزعة الانغلاق الاقتصادي في سياسة البيت الأبيض. وهذا النوع من السياسات يرسل إشارات سلبية للأسواق، حيث تُعيد إلى الأذهان أجواء الحرب التجارية مع الصين في 2018–2019، والتي تسببت آنذاك في تذبذبات عنيفة في مؤشرات الأسواق العالمية، وأثّرت سلبًا على ثقة المستهلك الأمريكي. لذا أرى أن هذه الرسوم الجديدة لن تؤدي فقط إلى ضغوط سعرية بل قد تساهم أيضًا في زعزعة الاستقرار الداخلي عبر رفع تكاليف السلع الوسيطة، وهو ما قد ينعكس لاحقًا في انخفاض في وتيرة النمو الاقتصادي الأمريكي.

كما أن محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أضاف طبقة أخرى من التعقيد إلى المشهد، حيث أظهر انقسامًا واضحًا بين المسؤولين بشأن آفاق الاقتصاد الأمريكي. ففي حين أعرب بعض الأعضاء عن استعدادهم لخفض أسعار الفائدة في وقت قريب، أشارت الغالبية إلى استمرار القلق من تداعيات الرسوم الجمركية على التضخم. وهذه الانقسامات تعكس هشاشة المشهد الاقتصادي الحالي، وتؤكد أن الفيدرالي يقف أمام مفترق طرق صعب: إما التكيف مع صدمات التضخم قصيرة الأمد عبر تسهيلات نقدية، أو التمسك بسياسة نقدية متشددة تحسبًا لعودة الضغوط السعرية المستدامة. ومن وجهة نظري، فإن السيناريو الأقرب هو أن يُقدم الفيدرالي على خفض محدود للفائدة في الأشهر المقبلة، وذلك استباقًا لأي تباطؤ اقتصادي مفاجئ، خاصة إذا ما تراكمت البيانات السلبية من سوق العمل وقطاعي التصنيع والخدمات.

ورغم أن بعض المشاركين في الاجتماع رأوا أن أثر الرسوم على التضخم سيكون مؤقتًا أو متواضعًا، فإن تجاهل التأثيرات التراكمية لهذه السياسات قد يكون خطرًا على استقرار السوق. فالرسوم، حتى لو كانت جزئية، تُسهم في خلق مناخ من عدم اليقين يجعل الشركات تتردد في الاستثمار، والمستهلكين في الإنفاق، مما يخلق دوامة سلبية قد يصعب كسرها في ظل سياسة نقدية محايدة أو متأخرة في استجابتها. لذلك، أرى أن المرونة في موقف الفيدرالي حاليًا ضرورية، ولكنها يجب أن تكون مشروطة بوضوح الرؤية حول اتجاه السياسة التجارية أولًا.

وفي الأفق القريب، تُعد بيانات إعانة البطالة الأولية في الولايات المتحدة عاملًا حاسمًا في تحديد المسار اللحظي للدولار. فإذا أظهرت البيانات تحسنًا غير متوقع في سوق العمل، فقد يُسهم ذلك في تقليص خسائر الدولار مؤقتًا، ويُعطي الفيدرالي هامشًا أوسع للتمهل قبل اتخاذ أي خطوات في السياسة النقدية. أما في حال جاءت الأرقام مخيبة للآمال، فقد يُسرّع ذلك من تحولات السياسة النقدية نحو التيسير، مما يزيد من الضغوط على الدولار. وبالنظر إلى تزامن البيانات مع خطابات منتظرة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي مثل موساليم ووالر ودالي، فإن الأسواق قد تشهد تقلبات ملحوظة، حيث سيراقب المستثمرون أي إشارات واضحة حول نوايا البنك المركزي المستقبلية.

ختامًا، أرى أن الدولار الأمريكي قد يبقى تحت الضغط في المدى القصير إلى المتوسط، ما لم تظهر مؤشرات قوية على تحسن أداء الاقتصاد الأمريكي الداخلي، أو بوادر على تراجع حدة التصعيد التجاري من جانب الإدارة الأمريكية. وفي ظل تزايد حالة عدم اليقين، فإن الأسواق باتت أكثر حساسية للأخبار والتصريحات المفاجئة، مما يعني أن أي تحركات سياسية غير محسوبة قد تؤدي إلى ردود فعل مفرطة. ومن هنا، فإن التوقعات الاقتصادية للدولار الأمريكي تبقى مرهونة بالتوازن الحذر بين السياسة النقدية للفيدرالي من جهة، ومسار التصعيد التجاري من جهة أخرى، حيث إن أي اختلال في هذا التوازن قد يُحدث تقلبات كبيرة في الأسواق العالمية في النصف الثاني من عام 2025.

التحليل الفني لـ مؤشر الدولار (DXY ):

يعكس الرسم البياني لمؤشر الدولار الأمريكي (DXY) على الإطار الزمني 4 ساعات تكوّن نموذج فني كلاسيكي يُعرف بـ”الكوب والمقبض” (Handle and Cup Model)، وهو من النماذج الانعكاسية الإيجابية التي تدل غالبًا على احتمالية استمرار الاتجاه الصاعد إذا اكتمل بشروطه. والسعر حالياً يتحرك قرب مستوى تصحيحي هام عند فيبوناتشي 0.382، والذي يقع عند حدود 97.40، في حين أن المنطقة الذهبية (Golden Zone) بين مستويي 0.618 و0.786 عند 98.20 – 98.80 تمثل مقاومة قوية لأي حركة صعودية لاحقة.

10.07.2025 – Dollar Index – DXY – الرسم البياني مدعوم من TradingView – الرسوم البيانية لأغراض تعليمية وتوضيحية فقط وقد تختلف عن أسعار التداول الحية على منصتنا.  إخلاء المسؤولية: يعكس الرسم البياني رأي المحلل ولا يشكل نصيحة استثمارية. الأداء السابق ليس ضمانًا للنتائج المستقبلية. يُنصح بطلب مشورة مستقلة قبل اتخاذ القرارات.

ويُلاحظ أن السعر فشل في اختراق المنطقة الذهبية للمرة الأولى، وبدأ في التراجع مجددًا، مما قد يشير إلى دخول السعر في مرحلة “المقبض” من النموذج، والتي غالبًا ما تتشكل على هيئة حركة تصحيحية قبل استئناف الصعود. وكسر مستوى 97.40 والثبات دونه سيدفع السعر لاختبار دعم فيبوناتشي 0.236 قرب 96.70، بل وربما يمتد الهبوط إلى ما دون 96.00 إذا فقد الزخم الصاعد تمامًا، كما توحي به الأسهم الحمراء التوقعية في الرسم.

ومن جهة الزخم، يُظهر مؤشر ستوكاستيك تشبعًا بيعيًا في المنطقة الدنيا مع ميل للتقاطع، مما قد يُعطي إشارة مبكرة لاحتمال ارتداد صاعد قصير الأجل. لكن مع بقاء السعر دون متوسط الحركة 200، تبقى النظرة الفنية حيادية مائلة للسلبية ما لم يخترق السعر مجددًا مستوى 98.20 بإغلاق واضح فوقه. لذلك، يُنصح بالترقب والحذر، والاعتماد على تأكيدات كسر أو اختراق لمستويات الدعم والمقاومة الرئيسية قبل اتخاذ أي مراكز تداول جديدة.

مستويات الدعم : 97.00 – 96.70 – 96.00

مستويات المقاومة:  98.20 – 98.80 – 99.50

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...