كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com– منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
تشهد أسواق العملات المشفرة تحولًا نوعيًا في المزاج العام للمستثمرين، يظهر بوضوح في استقرار البيتكوين ضمن نطاق سعري ضيق يتراوح بين 116,000 و120,000 دولار، عقب تسجيله أعلى مستوى تاريخي عند 123,218 دولار. وهذا الاستقرار ليس علامة على ضعف السوق كما قد يُفسّر في ظروف أخرى، بل يعكس نضجًا في التعامل مع البيتكوين كأصل مالي مؤسسي، مدعومًا بتدفقات نقدية ضخمة من صناديقETF وبتطورات تنظيمية تشكّل أرضية خصبة لنمو طويل الأمد. وأرى أن هذا النطاق الضيق يمثل منطقة تجميع قوية تسبق على الأرجح حركة اختراق صعودية نحو مستويات غير مسبوقة، ما لم تطرأ مفاجآت تنظيمية سلبية.
ومن أبرز المحفزات الأخيرة التي غيّرت قواعد اللعبة كان توقيع الرئيس ترامب على قانون”GENIUS”، وهو تشريع طال انتظاره يوفر إطارًا واضحًا لتنظيم العملات المستقرة. فالقانون يُلزم جهات الإصدار باحتياطيات كاملة مدعومة بالدولار، مما يُعزز مصداقية القطاع ويقلل من مخاطر النظاميّة التي لطالما أرعبت المستثمرين المؤسسيين. ومن وجهة نظري، فإن قانونGENIUS لا يمهّد فقط لتنظيم أكثر عدلاً وشفافية، بل يفتح الباب أمام البنوك التقليدية للدخول في شراكات آمنة مع مؤسسات وشركات التشفير، وهو ما سيؤدي إلى توسع القاعدة الاستثمارية للبيتكوين وبقية الأصول المشفرة.
وتزداد أهمية هذا الإطار التشريعي في ظل انتظار السوق لتقرير رسمي مرتقب من البيت الأبيض حول سياسة الأصول الافتراضية. وهذا التقرير يُتوقع أن يكون نقطة انطلاق نحو إنشاء احتياطي رقمي وطني، وهو توجه يعكس تحوّلًا جذريًا في موقف الإدارة الأمريكية من التشفير: من العداء والتحفّظ إلى التبني والتنظيم الذكي. وفي حال تحقق هذا السيناريو، فإننا نتحدث عن إعادة تعريف لمكانة البيتكوين، ليس فقط كأصل مضاربي أو ملاذ بديل، بل كعنصر مكوّن في البنية المالية للولايات المتحدة ذاتها. وأعتقد أن أي إشارات إيجابية في التقرير المرتقب ستكون وقودًا لصعود قوي ومستدام.
أما التدفقات المؤسسية تعكس هذه الثقة المتنامية بشكل مباشر، فقد شهدت صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة(ETFs) تدفقات أسبوعية تجاوزت 2.39 مليار دولار للأسبوع السادس على التوالي. وهذا النوع من السيولة لا يدخل السوق بهدف المضاربة قصيرة الأجل، بل يمثل اعترافًا استراتيجيًا بالبيتكوين كوسيلة لحماية الثروة وتنويع المحافظ الاستثمارية، خصوصًا في ظل تآكل الثقة في السياسات النقدية التقليدية. ومن منظور اقتصادي، هذه التدفقات تخلق قاعدة دعم ديناميكية للسعر، وتقلل من احتمالات الانهيارات المفاجئة التي لطالما ميّزت السوق سابقًا.
لكن الحدث الأبرز، في رأيي، والذي لم يأخذ بعد كامل أبعاده في التحليل العام، هو استحواذ مجموعة ترامب الإعلامية على عملات بيتكوين بقيمة 2 مليار دولار. وهذه الخطوة تتجاوز مجرد استثمار مالي، بل تحمل دلالة سياسية بامتياز، مفادها أن البيتكوين أصبح جزءًا من استراتيجية الحماية المالية والرمزية لشركات تعتبر نفسها خارج مظلة النظام المالي التقليدي. وتخصيص ثلثي أصول الشركة السائلة للبيتكوين يعكس ثقة غير مشروطة بهذا الأصل، ويشير إلى توجه نحو بناء “خزانة مشفّرة” تتحدى ممارسات البنوك المركزية في إدارة الاحتياطيات. لذا أرى أن دخول ترامب ميديا بهذا الزخم سيحفّز المزيد من الشركات المحافظة على إعادة النظر في نماذج الخزانة الخاصة بها، مما قد يؤدي إلى طلب مستمر ومتصاعد على البيتكوين.
ولا يمكن تجاهل تحركات العرض والطلب التي تتغيّر بسرعة، خصوصًا مع استمرار شركة ستراتيجي(MSTR) في شراء البيتكوين بوتيرة غير مسبوقة، حيث بلغت حيازاتها أكثر من 607,000 بيتكوين، ما يعادل أكثر من 3% من إجمالي العرض المتاح عالميًا. وهذه الأرقام تثير تساؤلات جدية حول مدى قدرة السوق على تلبية هذا الطلب المستمر في ظل ندرة العرض، وهو عامل قد يدفع السعر إلى مستويات فلكية إذا استمر المشهد السياسي والتنظيمي في دعمه.
وفي المقابل، فإن استثمار ميركوريتي المدعوم من سولانا فينتشرز بمبلغ 200 مليون دولار لإنشاء احتياطي عملةSOL يلفت النظر إلى تحوّل أوسع يشهده السوق: من الاحتفاظ بالبيتكوين فقط إلى تنويع احتياطيات الشركات بأصول مشفّرة بديلة، شريطة أن تكون مدعومة بمنظومات تقنية وتمويلية قوية مثل سولانا. وهذا التوجه يعكس نضجًا في التفكير الاستراتيجي، ويؤكد أن الرهان لم يعد مقتصرًا على البيتكوين وحده، بل يمتد ليشمل رموزًا تمتلك قابلية للبرمجة وتطبيقات في التمويل اللامركزي. ومن وجهة نظري هذه الحركات تفتح الباب لعصر جديد من التمويل المؤسسي المشفّر، يكون فيه البيتكوين حجر الأساس، لكن ليس الوحيد.
ومع تزايد زخم الشركات العامة في إطلاق خطط خزانة مشفّرة، ووجود توجه واضح لتقنين السوق من أعلى هرم القيادة السياسية في أمريكا، فإن جميع المؤشرات تدفع نحو موجة صعود جديدة قد تتجاوز مجرد أرقام قياسية، لتصل إلى إعادة تعريف للبيتكوين كأصل احتياطي عالمي. وإذا تضافرت هذه القوى التشريعية والمالية، فإني أرجّح أن نرى خلال الأشهر القادمة اختراقًا لمستوى 130,000 دولار، مع استهداف تدريجي لمناطق 145,000 – 150,000 دولار، شريطة الحفاظ على استقرار بيئة المخاطرة الجيوسياسية.
فالبيتكوين اليوم ليس كما كان قبل عام، ولم يعد ملك المتداولين الأفراد فقط، بل أصبح ساحة منافسة بين كيانات اقتصادية ضخمة تبحث عن موقع لها في النظام المالي المستقبلي. وفي ظل هذا الواقع الجديد، فإن تجاهل البيتكوين لم يعد خيارًا عقلانيًا لأي مستثمر يرغب في تنويع محفظته وحماية ثروته في عالم سريع التغيّر.
التحليل الفني لـ البيتكوين ( BTCUSD):
الرسم البياني الفني لزوج BTC/USDعلى إطار الأربع ساعات، يوضح تشكّل نمط تصحيحي كلاسيكي ضمن موجة ABC، حيث تم تسجيل القمة “A” بالقرب من مستوى 123,236، تلتها حركة تصحيحية نحو القاع “B” عند 115,729 قبل أن تشهد الأسعار ارتدادًا محدودًا عند “C”. وهذا النمط يشير إلى اكتمال موجة تصحيحية محتملة، مما قد يُمهّد لحركة صعودية جديدة بشرط الثبات أعلى دعم 115,729 وعدم كسره بإغلاق واضح.

وحاليًا، يتحرك السعر في نطاق عرضي محصور بين 115,729 دعمًا و121,000 مقاومة، مع محاولات للتجميع أعلى المتوسط المتحرك، مما يعزز احتمالات الاختراق الصعودي نحو 123,236 مجددًا، ثم 125,035 على المدى القصير. والمؤشرات الفنية، مثل مؤشر الستوكاستك، بدأت تظهر إشارات انعكاس من مناطق التشبع البيعي، مما يدعم سيناريو الصعود الفني بشرط تجاوز مقاومة 117,274 التي تمثل محوراً حاسمًا لحركة السعر التالية.
وفي المقابل، فشل السعر في الحفاظ على دعم 115,729 قد يؤدي إلى تفعيل السيناريو السلبي الموضّح في الخط الأحمر على الرسم اعلاه، والذي يستهدف 112,571 كمرحلة أولى، وربما 110,610 على المدى المتوسط. لذا، تبقى الرؤية الفنية مرهونة بردة فعل السعر حول مستويات الدعم الحالية، مع أفضلية ميل الاتجاه الصاعد طالما بقي السعر فوق المتوسط المتحرك واستمرت السيولة الشرائية بالدخول التدريجي.
مستويات الدعم: 115,729 – 112,571 – 110,610
مستويات المقاومة: 121,000 – 123,236 – 125,035
الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية