| كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) في ظل التقلبات المتسارعة التي تشهدها الأسواق المالية العالمية، لم يكن مستغرباً أن يواصل مؤشر الدولار الأمريكي(DXY) تراجعه إلى مستويات متدنية جديدة بلغت 97.15 خلال جلسات التداول الآسيوية الأخيرة، وهو أدنى مستوى له منذ 7 يوليو. وهذا الانخفاض لا يُمكن تفسيره بعامل وحيد، بل هو نتيجة لتراكم معقد من المستجدات السياسية والنقدية والتجارية التي تتفاعل بعمق داخل المنظومة الاقتصادية الأمريكية والعالمية. ورغم أن بعض المستثمرين وجدوا في اتفاقية التجارة الأمريكية الجديدة بارقة أمل لتحسن نسبي في الإقبال على الأصول ذات المخاطر، فإن حالة عدم اليقين التي تحيط بعدة جبهات—من واشنطن إلى طوكيو إلى ستوكهولم—تزيد من حالة القلق وتضعف من جاذبية الدولار الأمريكي كملاذ آمن. أما الأحداث السياسية فتترك بصمة واضحة في الأسواق، ويبرز هنا ملف بنك الاحتياطي الفيدرالي بوصفه محورًا رئيسيًا في هذا التفاعل. فالمخاوف بشأن استقلالية البنك عادت إلى الاسواق بعد التصريحات المتكررة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي انتقد بشكل مباشر رئيس الفيدرالي جيروم باول، بل وذهب حد مطالبته بالاستقالة بسبب إحجام البنك عن خفض أسعار الفائدة وفقًا لأجندة البيت الأبيض. وهذا النوع من الضغط السياسي، وإن بدا مألوفًا في السنوات الأخيرة، لا يزال يشكل تهديدًا مباشرا على مصداقية السياسة النقدية الأمريكية، ويزيد من عزوف المستثمرين عن الدولار لصالح عملات أخرى أكثر استقرارًا في بيئات خالية من التدخل السياسي الصريح. وما يزيد من تعقيد المشهد هو تصريح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت بشأن التغيير المحتمل في قيادة الفيدرالي. فالإعلان عن نية تعيين رئيس جديد للبنك، حتى وإن تم تأجيله إلى ديسمبر أو يناير، يضيف عنصراً آخر من عدم اليقين إلى المعادلة، لا سيما في لحظة اقتصادية حساسة تشهد فيها الولايات المتحدة تباطؤًا في بعض المؤشرات الرئيسية. لإن تأخير حسم هذا الملف، رغم تأكيد بيسنت أنه “لا يوجد أي استعجال”، يُفهم في الأسواق بوصفه تريثًا قد يخفي خلفه صراعًا داخليًا على توجهات السياسة النقدية المستقبلية، مما يعزز حالة الترقب ويعمّق ضغوط البيع على الدولار. كما أرى أن العلاقة الأمريكية الصينية تبقى بمثابة الميزان الذي يتحكم في مزاج الأسواق. واللقاء المرتقب بين بيسنت ومسؤولين صينيين في ستوكهولم الأسبوع المقبل يأتي في وقت حرج، حيث تلوح في الأفق مهلة الأول من أغسطس لإنهاء جولة جديدة من المحادثات التجارية أو العودة إلى مسار تصعيدي. ورغم محاولات الطرفين الإبقاء على لغة دبلوماسية مرنة، فإن هشاشة الاتفاقات السابقة والانقسام الداخلي داخل الإدارة الأمريكية بشأن الموقف من بكين تجعل أي تقدم حقيقي مشكوكًا في استدامته. وعليه، فإن أي إشارات لتجدد التوترات، أو حتى غياب تقدم ملموس، ستُفسر مباشرة في الأسواق على أنها بوادر فشل جديد، مما يدفع المستثمرين إلى تقليص تعرضهم للدولار كأصل مرتبط بخطر السياسة الحمائية الأمريكية. ومن ناحية أخرى، تأتي البيانات الاقتصادية الأمريكية المقررة في وقت لاحق من هذا اليوم الخميس لتلعب دورًا مهمًا في توجيه حركة السوق. ومن المتوقع أن تظهر مؤشرات مديري المشتريات تحسنًا طفيفًا، لكن إن صحت هذه التوقعات، فإن أثرها قد يكون محدودًا في ظل هيمنة العوامل السياسية على المشهد العام. فالأرقام الإيجابية قد تساهم فقط في تباطؤ وتيرة تراجع الدولار مؤقتًا، لكنها على الأرجح لن تكون كافية لعكس الاتجاه ما لم تقترن بإشارات واضحة من الفيدرالي بشأن استمرارية السياسة النقدية المستقلة. كذلك، فإن بيانات إعانات البطالة ومبيعات المنازل ومؤشر النشاط الوطني قد تقدم صورة أكثر شمولية عن صحة الاقتصاد الأمريكي، لكنها برأيي لن تخرج الدولار من مسار التراجع ما لم تُحدث مفاجآت قوية في الاتجاه الإيجابي. لذا أرى أن الدولار الأمريكي سيبقى تحت الضغط خلال الأسابيع القليلة المقبلة. حتى لو ظهرت بعض البيانات الاقتصادية التي تفوق التوقعات، فإن غياب اليقين السياسي والنقدي، إلى جانب الضبابية التجارية، سيجعل من أي انتعاش في مؤشرDXY مجرد ارتداد تقني مؤقت لا يعكس تحولًا جوهريًا في الاتجاه العام. ومع اقتراب موعد التغيير المحتمل في قيادة الفيدرالي وتزايد التكهنات حول هوية الرئيس الجديد، فإن الأسواق ستكون أكثر حساسية للتسريبات والتصريحات الرسمية وغير الرسمية على حد سواء. وعليه، فإنني أتوقع استمرار ميل الدولار إلى الهبوط التدريجي على المدى القصير، وربما اختباره لمستويات أقل من 97.00 إذا فشلت المحادثات التجارية المقبلة أو إذا استمرت الإدارة الأمريكية في إرسال إشارات متناقضة بشأن توجهاتها النقدية. ومن جانب آخر، ستبقى العملات الأخرى، خصوصًا اليورو والين، مستفيدة من هذا الضعف النسبي في الدولار، خاصة إذا استمرت البنوك المركزية في أوروبا وآسيا في الحفاظ على نبرة أكثر تحفظًا واستقلالية في سياساتها. وباختصار، السوق اليوم لا يبحث فقط عن أرقام، بل عن وضوح في الرؤية وثقة في الاستقرار المؤسسي. ومتى ما استعاد الدولار أحد هذين العنصرين، سيكون بإمكانه الخروج من هذا التراجع، أما في غيابهما، فإن الضغوط ستستمر، والأعين ستبقى تتطلع نحو كل تطور جديد، مهما بدا صغيرًا، لأنه قد يحمل في طياته دلالة كبيرة على المسار القادم للعملة الأمريكية. التحليل الفني لـ مؤشر الدولار ( DXY): استنادًا إلى الرسم البياني الفني لمؤشر الدولار الأمريكي (DXY) على الإطار الزمني لأربع ساعات، يلاحظ أن المؤشر يواجه ضغوطًا بيعية واضحة بعد كسره لمستوى الدعم 97.50، ليصل إلى 97.15 وهو أدنى مستوى منذ بداية يوليو. والمؤشر يتحرك حاليًا أسفل المتوسطات المتحركة 50 و200، مما يؤكد استمرار الاتجاه الهابط على المدى القصير. كما يُظهر الرسم وجود ارتداد فني طفيف محتمل نحو منطقة 97.60–97.80، والتي تتقاطع مع مستوى تصحيح فيبوناتشي 0.236، لكنها تبقى مقاومة محتملة ما لم يتم اختراقها بثبات مدعوم بحجم تداول قوي. ![]() ومن الناحية الهيكلية، يظهر أن المؤشر قد خرج من القناة الصاعدة القصيرة المدى، وبدأ بتكوين قيعان أدنى من سابقتها، وهو ما يدعم سيناريو الهبوط المتدرج نحو مستويات 96.70 ثم 96.30، في حال استمرار الضغوط البيعية وتراجع شهية المخاطرة. كذلك، فإن مؤشر ستوكاستيك دخل في منطقة التشبع البيعي، مما قد يشير إلى احتمالية حدوث ارتداد فني مؤقت، لكنه لن يُغيّر من الاتجاه العام ما لم يُرافقه اختراق واضح لمستوى 98.12، الذي يمثل منطقة التقاء مقاومة أفقية مع خط فيبوناتشي 0.618. وبالمجمل، النظرة الفنية تبقى سلبية ما دام مؤشر DXYدون مستويات 97.80 و98.12، مع بقاء التوقعات قائمة باحتمالية زيارة مناطق أدنى إذا لم تتدخل عوامل جوهرية جديدة تقلب المعطيات. فغياب الزخم الصعودي القوي، إلى جانب استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية، يعزز التوقع باستمرار المسار الهابط. ومن هذا المنطلق، فإن أي تحركات صاعدة حالية يُنظر إليها كمجرد ارتدادات تصحيحية ضمن اتجاه هابط أكبر نطاقًا، مما يجعل من تداول الدولار حاليًا مخاطرة يتعين إدارتها بحذر كبير. مستويات الدعم: 97.00 – 96.70 – 96.30 مستويات المقاومة: 97.80 – 98.12 – 98.50 |
الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية

