هل ينجح الذهب في اختراق 3400 دولار وسط ترقّب حذر لبيانات التضخم وتوقعات خفض الفائدة؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

الذهب يواصل تداولاته عند مستويات قريبة من 3,370 دولارًا للأونصة مع بداية الأسبوع، في ظل ضغوط بيعية مدفوعة بانتعاش طفيف للدولار الأمريكي وتزايد شهية المخاطرة في الأسواق العالمية. ومن وجهة نظري ، هذا التراجع لا يعكس ضعفًا جوهريًا في الطلب على المعدن النفيس بقدر ما يعكس حالة ترقب متوترة لصدور بيانات التضخم الأمريكية المرتقبة غدًا، والتي سيكون لها تأثير مباشر على توقعات السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، ومن ثم على مسار الذهب في الأجل القصير. فالأسواق تميل عادة إلى تصفية المراكز أو تحجيمها قبل أحداث بياناتية كبرى، خاصة عندما تكون مرتبطة مباشرة بقرارات الفائدة.

وإن استمرار قوة الدولار ولو بشكل محدود يضغط على أسعار السلع المقومة به، بما فيها الذهب، ويؤخر المعدن الأصفر من القدرة على الاستقرار فوق المستوى النفسي البالغ 3,400 دولار. لكن في المقابل، تتزايد توقعات السوق بأن الفيدرالي سيبدأ دورة خفض الفائدة في سبتمبر، وهو ما يوفر دعامة أساسية للسعر. وفي رأيي، هذا التباين بين الضغط قصير الأجل من العملة الأمريكية والدعم متوسط الأجل من السياسة النقدية يفسر حالة التذبذب الضيقة نسبيًا التي يشهدها الذهب حاليًا، ويجعل أي تحرك قوي مرهونًا ببيانات التضخم.

كما أن تصريحات ميشيل بومان، عضو مجلس محافظي الفيدرالي، حول هشاشة سوق العمل الأمريكي ودعمها لسيناريو ثلاث تخفيضات للفائدة خلال 2025، كانت بمثابة إشارة إضافية للأسواق بأن السياسة النقدية تتجه نحو التيسير. وهذه الرسائل، مقرونة بتقديرات تتجاوز 89% لخفض الفائدة في سبتمبر، تعزز منطق الاحتفاظ بالذهب كأصل تحوطي غير مدر للعائد. وفي رأيي، استمرار هذا الخطاب من مسؤولي الفيدرالي سيُضعف أي موجة صعود مستدامة للدولار، وهو ما قد يتيح للذهب فرصة اختبار مستويات أعلى مع مرور الأسابيع.

ومن جانب آخر، قيام بنك الشعب الصيني بإضافة الذهب إلى احتياطياته للشهر التاسع على التوالي في يوليو، يؤكد وجود طلب استراتيجي طويل الأجل على المعدن النفيس من جانب أحد أكبر البنوك المركزية في العالم. فهذه المشتريات ليست مجرد عامل دعم سعري لحظي، بل هي إشارة على أن الذهب ما زال يحافظ على مكانته كمخزن للقيمة في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية. وفي تقديري، هذا الطلب المؤسسي طويل الأجل يخلق أرضية سعرية صلبة تمنع أي انهيار حاد للأسعار حتى في فترات الضغط البيعي.

والملفت أيضًا أن حالة عدم اليقين التجاري قبل الموعد النهائي لتطبيق التعريفات الجمركية الأمريكية على الصين، والمحادثات المرتقبة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن أوكرانيا، تضيف طبقة من الدعم الجيوسياسي للذهب. فالمستثمرون، في ظل مثل هذه الملفات المفتوحة، يترددون في زيادة انكشافهم على الأصول عالية المخاطر، مما يدفعهم إلى الاحتفاظ بجزء من محافظهم في الملاذات الآمنة. ووجهة نظري أن هذه الملفات، حتى وإن لم تكن في قلب المشهد الاقتصادي حاليًا، تشكل عوامل قوية تُحد من أي هبوط حاد في أسعار الذهب.

وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل أن تفاؤل الأسواق حيال تحسن المناخ السياسي بين واشنطن وموسكو، أو احتمال تمديد هدنة الرسوم الجمركية مع بكين، قد يؤدي مؤقتًا إلى تراجع الطلب على الذهب. غير أنني أرى أن أي هبوط بفعل تحسن شهية المخاطرة سيكون محدودًا في ظل القناعة الراسخة لدى المستثمرين بأن الفيدرالي يسير في اتجاه خفض الفائدة، وهو ما يبقي العوائد الحقيقية منخفضة ويدعم الذهب.

فالبيانات الأمريكية المنتظرة هذا الأسبوع – وعلى رأسها مؤشر أسعار المستهلكين غدًا ومؤشر أسعار المنتجين بعده بيومين – ستكون الحَكَم الفعلي في رسم المسار القادم للذهب. فإذا جاءت القراءة أقل من التوقعات، فإن ذلك سيعزز من رهانات خفض الفائدة ويضعف الدولار، مما قد يدعم الذهب لاختراق مستوى 3,400 دولار وربما استهداف 3,420 أو 3,450 على المدى القصير. أما إذا جاءت البيانات قوية بشكل مفاجئ، فإن ذلك قد يمنح الدولار دفعة قوية، ويضغط على الذهب للعودة إلى نطاق 3,350–3,360 دولار، على الأقل مؤقتًا.

وبرأيي، الصورة الأوسع تبقى داعمة للذهب في النصف الثاني من 2025، مع توقع استمرار الضغوط التضخمية المعتدلة، وتباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي، وتوسع البنوك المركزية في شراء الذهب كجزء من تنويع الاحتياطيات. لكن في الأجل القريب، ستظل تحركات الذهب رهينة البيانات الأمريكية وردة فعل السوق عليها. ولهذا، فإن أي تحركات حادة في الأيام القادمة يجب قراءتها في سياق تأثير الفائدة والدولار، مع الانتباه إلى أن العوامل الجيوسياسية والتجارية يمكن أن تغير المزاج العام فجأة.

وبناءً على المعطيات الحالية، أرى أن احتمالات صعود الذهب فوق 3,400 دولار هذا الأسبوع قائمة لكنها مشروطة بقراءة تضخم أمريكية ضعيفة، وأن أي اختراق ناجح لهذا المستوى قد يدعم موجة صعود قصيرة المدى قبل أن يعيد السوق تقييم موقفه مع اقتراب اجتماع الفيدرالي في سبتمبر. وفي المقابل، فإن السيناريو الهبوطي سيبقى محدودًا، مع صعوبة كسر مستوى 3,350 ما لم نشهد بيانات مفاجئة جدًا أو تحولًا جذريًا في التوقعات النقدية. وهذا المزيج من العوامل يجعل الذهب حاليًا في منطقة “ترقب استراتيجي” ينتظر شرارة تدفعه إلى مسار أوضح.

التحليل الفني لـ الذهب (XAUUSD ):

يظهر من الرسم البياني للأربع ساعات أن الذهب (XAU/USD) يتحرك داخل قناة صاعدة واضحة، بعد أن ارتد من مستويات دعم قوية قرب 3,315–3,320 دولار. وحاليًا، يتداول السعر قرب منطقة الدعم المحورية S1عند 3,370 دولار، والتي تمثل الحد السفلي للموجة الصاعدة الأخيرة. والثبات فوق هذا المستوى يبقي الزخم الإيجابي قائمًا، بينما المتوسط المتحرك الرئيسي يدعم الاتجاه الصاعد على المدى القريب. ومؤشر الستوكاستيك يتواجد في مناطق التشبع البيعي، مما يعزز احتمالية حدوث ارتداد صعودي في الساعات القادمة.

وفي حال نجح السعر في الحفاظ على التداول فوق 3,370 دولار وتأكيد الاختراق الصاعد فوق 3,400 دولار(المقاومةR1(، فإن السيناريو الأقوى سيكون استهداف مستويات 3,420 دولار مبدئيًا، تليها المقاومة الأهم عند 3,440 دولار(H1)، وهي منطقة عرض قوية قد تحد من المكاسب على المدى القصير. واختراق هذه المنطقة بإغلاق قوي سيعزز فرص الوصول نحو 3,460 دولار، مدعومًا بالزخم الإيجابي للقناة الصاعدة واستمرار التوقعات بخفض الفائدة الأمريكية.

أما السيناريو البديل، ففي حال كسر السعر لمستوى 3,370 دولار والثبات تحته، قد نشهد تصحيحًا هابطًا نحو الدعم S2عند 3,350 دولار، وربما التمدد إلى 3,320 دولار (S3) إذا تزايدت الضغوط البيعية. ومع ذلك، وبالنظر إلى هيكل الاتجاه الحالي والمؤشرات الفنية، يبقى السيناريو الصاعد هو الأقوى، مع أفضلية البحث عن فرص شراء من مناطق الدعم القريبة طالما لم يتم كسر مستوى 3,347–3,350 دولار بإغلاق واضح.

مستويات الدعم: 3,370 – 3,350 – 3,320

مستويات المقاومة:   3,400 – 3,420 – 3,440

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...