الدولار/الين بين قوة البيانات الأمريكية وضغوط السياسة النقدية اليابانية: إلى أين يتجه الزوج بعد الارتداد القوي؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

شهد زوج الدولار الأمريكي/الين الياباني تحركاً مثيراً في جلسات التداول الأخيرة، حيث قفز بأكثر من 150 نقطة من أدنى مستوى له في ثلاثة أسابيع عند 146.220 قبل أن يعود للهبوط اليوم ليتداول عند 147.151 ، مدفوعاً بمجموعة من العوامل الاقتصادية التي تداخل فيها الجانب الأمريكي مع الياباني بشكل لافت. وبرأيي ما حدث ليس مجرد انعكاس لحركة مضاربة قصيرة الأمد، بل يعكس تحولات في توقعات السياسة النقدية لكلا البلدين، في ظل تغير البيئة التضخمية العالمية وعودة الجدل حول مسارات الفائدة.

البيانات الأمريكية الأخيرة لعبت دوراً محورياً في إحياء الطلب على الدولار، إذ جاء مؤشر أسعار المنتجين لشهر يوليو بأعلى بكثير من المتوقع، مسجلاً أكبر قفزة شهرية منذ يونيو 2022، وهو ما أعاد إلى الأذهان فكرة أن ضغوط الأسعار في الولايات المتحدة لم تختفي بعد بالقدر الكافي لتبرير تخفيف سريع للسياسة النقدية. ومن منظور اقتصادي، هذا يعني أن الاحتياطي الفيدرالي قد يجد نفسه مضطراً للإبقاء على معدلات الفائدة مرتفعة لفترة أطول، وربما يبطئ من وتيرة التيسير النقدي الذي بدأت الأسواق تتوقعه. وفي رأيي، هذه القراءة ترفع من احتمالية إعادة تسعير منحنى العائد الأمريكي نحو مستويات أكثر ارتفاعاً، مما يعزز من جاذبية الدولار أمام الين وغيره من العملات منخفضة العائد.

وجاءت بيانات سوق العمل الأمريكية لتضيف زخماً إضافياً إلى هذه التوقعات، حيث أظهرت تراجع طلبات إعانة البطالة الأولية والمستمرة، مما يشير إلى أن سوق العمل لا يزال يتمتع بمتانة ملحوظة. وبرأيي، استمرار قوة التوظيف يعني بقاء الضغط على الأجور، وهو ما يغذي بدوره الضغوط التضخمية، ليجد الفيدرالي نفسه أمام معادلة صعبة بين السيطرة على التضخم وتجنب خنق النمو. وفي تقديري أن هذا التوازن الدقيق سيجعل البنك المركزي أكثر تحفظاً في أي قرارات خفض للفائدة في الأجل القريب.

أما على الجانب الياباني، فإن الصورة لا تقل تعقيداً. قراءة الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني جاءت أفضل بكثير من المتوقع، مما يمنح بنك اليابان مساحة أكبر للتفكير في إنهاء حقبة أسعار الفائدة شديدة الانخفاض. والتضخم الكلي لا يزال مستقراً فوق مستوى 3%، وهو أعلى بكثير من هدف البنك البالغ 2%، لكن المفارقة تكمن في استمرار اعتماد البنك على مقاييس “التضخم الأساسي” التي قد تقلل من شأن الضغوط السعرية الفعلية. وبرأيي، هذه الاستراتيجية النقدية الحذرة بدأت تفقد مبرراتها في ضوء البيانات الأخيرة، خاصة إذا اقترنت بنمو اقتصادي أفضل من المتوقع.

وحالياً توقعات السوق برفع بنك اليابان أسعار الفائدة في أكتوبر لم تعد هامشية، بل أصبحت سيناريوً ذا وزن معتبر. فتصريحات بعض المسؤولين الدوليين، مثل ما صدر عن وزير الخزانة الأمريكي، تعكس شعوراً متزايداً بأن البنك المركزي الياباني يتأخر في التحرك، وأن أي خطوة نحو تشديد السياسة قد تكون حادة نسبياً لتعويض التأخر. وفي تقديري، إذا استمرت بيانات التضخم والأجور في مسارها الحالي، فإن بنك اليابان قد يجد نفسه مضطراً للتحرك قبل نهاية العام، حتى لو كان ذلك على نحو تدريجي.

ومن منظور تدفقات الأموال، أي رفع للفائدة في اليابان سيؤدي إلى تقليص جاذبية تجارة الفائدة(Carry Trade) التي تعتمد على الاقتراض بالين للاستثمار في أصول ذات عوائد أعلى، وهو ما قد يعزز قيمة الين على المدى المتوسط. لكن على المدى القصير، يظل الدولار مدعوماً بفارق العائد الواسع وبالزخم الذي خلقته البيانات الأمريكية، ما يجعل أي صعود للين محدوداً ومشروطاً بوضوح نوايا بنك اليابان.

وبرأيي السوق حالياً في مرحلة حساسة، حيث تتجاذب الأسعار بين واقع اقتصادي أمريكي لا يزال قوياً بما يكفي لدعم الدولار، وبين احتمالات تحول السياسة النقدية اليابانية التي يمكن أن تمنح الين دفعة لاحقاً. لذا أعتقد أن، المدى القريب سيظل في صالح الدولار طالما بقيت التوقعات بفائدة أمريكية مرتفعة قائمة، لكن أي إشارة رسمية من بنك اليابان نحو رفع الفائدة قد تقلب الموازين سريعاً.

وخلاصة القول، نحن أمام مواجهة نقدية محتملة بين أكبر اقتصادين في العالم من حيث حجم التأثير على أسواق العملات، حيث تتداخل قراءات التضخم والنمو والسياسة النقدية لتشكل معادلة معقدة لزوج الدولار/الين. ومن منظور استراتيجي، أرى أن المدى القصير سيشهد استمرار محاولات الدولار لاختبار مستويات أعلى، ربما نحو 148.50 أو حتى 149.00، بينما سيبقى المدى المتوسط رهناً بمدى سرعة بنك اليابان في تعديل سياساته النقدية ومدى صمود الاقتصاد الأمريكي أمام معدلات الفائدة المرتفعة. وفي جميع الأحوال، فإن أي متداول أو مستثمر في هذا الزوج بحاجة إلى قراءة المشهد الكلي بقدر من الحذر، مع مراقبة البيانات القادمة باهتمام، لأن لحظة التحول قد تأتي أسرع مما تتوقعه الأسواق.

التحليل الفني لـ الدولار/الين (USDJPY ):

يُظهر الرسم البياني على الإطار الزمني الأربع ساعات لزوج الدولار الأمريكي/الين الياباني أن السعر يتداول حاليًا حول مستوى 147.10 بعد ارتداد سابق من قاع قرب 146.20. الحركة السعرية الأخيرة تشير إلى ضعف في الزخم الصاعد مع فشل السعر في الثبات أعلى مستوى تصحيح فيبوناتشي 0.33، مما يعكس احتمال عودة الضغوط البيعية إذا لم يتمكن المشترون من استعادة السيطرة سريعًا. ومؤشر القوة النسبية العشوائي (Stochastic) يتحرك هبوطيًا من مناطق التشبع الشرائي، ما يدعم سيناريو التصحيح أو الهبوط قصير الأجل.

ومنطقة “Golden Zone” بين مستويات فيبوناتشي 0.5 و0.66 (حوالي 148.50–149.00) تظل هدفًا محتملًا إذا نجح السعر في اختراق المقاومة الحالية، حيث يتقاطع هذا النطاق مع قمم سابقة ويُمثل منطقة عرض قوية قد تشهد عمليات جني أرباح. ومع ذلك، كسر الدعم القريب عند 146.80 سيزيد من احتمالية استكمال المسار الهابط نحو القاع السابق، خاصة مع وجود نموذج محتمل لاستكمال الموجة التصحيحية. والسيناريو الفني يشير إلى أن أي صعود قبل الوصول إلى هذه المنطقة سيظل تصحيحيًا ما لم يتم اختراقها والثبات فوقها.

وفي حال استمرار الضغوط البيعية، فإن كسر مستوى 146.20 سيعيد السعر نحو منطقة 145.00–144.50، وهو قاع رئيسي يتوافق مع امتداد فيبوناتشي 100% للنموذج الظاهر. أما في السيناريو البديل، فإن عودة السعر أعلى 147.80 ثم 148.50 سيدعم اختبار “Golden Zone”، حيث سيحتاج المشترون حينها لاختراق قوي لتأكيد استمرار الاتجاه الصاعد. والتركيز الفني الحالي إذًا يتمحور حول ما إذا كان الزوج سيحترم مستويات الدعم القريبة أو سيندفع نحو إعادة اختبار مناطق البيع أعلاه.

مستويات الدعم: 146.80 – 146.20 – 145.00

مستويات المقاومة:   147.80 – 148.50 – 149.00

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...