أمسية فنية وثقافية لإنقاذ المواقع التراثية في طرابلس

نظّمت جمعيّة “تراث طرابلس – لبنان” حفل فريد من نوعه على جزيرة عبد الوهاب أمام شاطى الميناء – طرابلس، برعاية وحضور معالي وزير الأشغال العامة والنقل السيد فايز رسامني وبالتعاون مع بلدية الميناء. وكان الهدف الأساسي من تلك الأمسية التي جمعت ما بين الثقافة والموسيقى وفنّ المطبخ اللبناني الطرابلسي والتوعية، هو إعادة موقع هذه الجزيرة الشهيرة إلى قلب الذاكرة الجماعية ولفت الأنظار إلى وضعها الحالي المتدهور بسبب الإهمال كما وتسليط الضوء على أهمية إعادة تأهيلها. إضافةً إلى ذلك، هدفت هذه الأمسية إلى جمع الأموال لترميم دار فاطمة وهو منزل تاريخي يقع بجوار سوق الصاغة في قلب أسواق طربلس القديمة.  
 
حضر الحفل معالي وزير الاشغال العامة والنقل فايز رسامني، معالي وزير الاقتصاد عامر بساط، سعادة النائب كريم كبارة، سعادة النائب جميل عبود، معالي الوزير السابق الاستاذ سمير الجسر، معالي الوزير السابق رشيد درباس، سعادة محافظ الشمال بالوكالة السيدة ايمان الرافعي، رئيس غرفة الصناعة والتجارة والزراعة السيد توفيق دبوسي، رئيس بلدية طرابلس الدكتور عبد الحميد كريمة، رئيس بلدية الميناء الاستاذ عبد الله كبارة ، مدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد والسفيرة هند درويش.

أكد معالي الوزير فايز رسامني في كلمته على أهمية طرابلس والشمال بالنسبة للبنان، مشددًا على أن “هدف الحكومة هو تحقيق الإنماء المتوازن في جميع المناطق اللبنانية، وخصوصًا في منطقة الشمال التي تتمتع بإمكانات وقدرات كبيرة على التطور. ومع هذا التطور، تزداد فرص العمل وتتحسّن ظروف الناس، وهذا هو هدف الحكومة التي تسعى إلى العمل الفعلي لا الاكتفاء بالكلام.”

وفي كلمتها الافتتاحية، أعلنت السيدة جمانة شهال تدمري، رئيسة جمعية تراث طرابلس: “إنّ هدفنا في جمعية “تراث طرابلس – لبنان” هو تنفيذ مشاريع إنمائية مستدامة تضع طرابلس على الخريطة الوطنية، وتسلّط الضوء على  قيمتها التاريخية والتراثية، وعلى مقوماتها السياحية والاقتصادية”.

تقع جزيرة عبد الوهاب على بعد 200 متر فقط من الشاطئ ولا تتجاوز مساحتها نحو 500 إلى 600 م2، تتمتّع بمكانةٍ خاصّة في تاريخ طرابلس وتتميّز بمناظرها البحرية. محليًا، تُعرف باسم “جزيرة البقرة” نسبة إلى حيوان “بقرة البحر” الذي كان يعيش في مياهها قديماً كما كانت عائلة عبد الوهاب تستأجرها كموقعٍ لبناء وإصلاح السفن على مدى قرون، ومن هنا اكتسبت اسمها الحالي. فساهم هذا النشاط التراثي في تكوين الهوية البحرية الطرابلسيّة المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بصياديها، وحرفييها وأحواض بناء السفن التي تُزيّنها.

ولا تزال الجزيرة تحتفظ ببقايا معمارية تاريخية بما فيها آثار لمبنى “دير سان توماس” الذي يعود للفترة الصليبية. فإلى جانب التنوع البيولوجي الغني يأتي هذا التراث المعماري ليضفي على الموقع أهميّة تاريخيّة وبيئيّة وثقافيّة. تتميّز أيضًا الجزيرة بنظامها البيئي الثمين المليء بالصخور والنباتات البحريّة النادرة كما إنها موطن للسلاحف البحرية المهددة بالانقراض ومقصد موسمي للطيور المهاجرة، فإنّها بمثابة نموذج مُصغّر حقيقي للساحل اللبناني. وإنّ موقع الجزيرة على مقربة من كورنيش الميناء الطويل، يزيد من إمكانية جعلها منارة ساحلية ووجهة مثاليّة للمشي، للاكتشاف الثروة البيئية أو القيام بنشاطات ثقافية وإدماجها في حياة السكان اليوميّة.

لكن منذ آخر إعادة تأهيل عام 2015  -الذي تضمن بناء جسر للمشاة، إنشاء الممرات وزراعة المساحات الخضراء – لم تجري أي صيانة أو ترميم. أمّا اليوم فباتت علامات التراجع واضحة. بالفعل، إنّ بعض أجزاء الجسر مفقودة ويُهدّد السلامة العامة، وتتراكم فيها النفايات وتنتشر بعض البسطات التي تشوه المنظر الطبيعي العام وتؤثر سلباً على قيمة المكان وجاذبيته. وعلى ضوء هذا الواقع، سعت جمعيّة “تراث طرابلس- لبنان” لتحويل حفل ليلة 18 آب إلى مثابة تظاهرة تجمع المجتمع المحلي، والسلطات والزوار تحت رايةٍ مشتركة ألا وهي حماية وتعزيز جزيرة عبد الوهاب وتأمين التمويل لترميم دار فاطمة وتحويلها إلى مكانٍ نابض بالحياة جاهز لاستضافة الأحداث الثقافية المستقبليّة.
 
حوّلت هذه الأمسية الجزيرة إلى مساحةٍ ترحيبية وفيّةً لهويتها التراثية. استمتع الضيوف بالعشاء الريعي المستوحى من الضيافة الدافئة والنكهات الأصيلة النابعة من المنازل التقليديّة الطرابلسية. وتخلّلت الأمسية حفل موسيقي في الهواء الطلق مع تركيباتٍ صوتية وضوئية محترفة للفت الأنظار وإبراز القيمة التراثية والطبيعية للجزيرة.
 
وبيعدًا عن الأجواء الاحتفالية، تحمل هذه المبادرة أهداف مدنية ورسالة ثقافية عميقة. فإنّها تسعى لإحياء العلاقة بين المجتمع وتراثه البحري، لتأكيد أهميّة الحفاظ على تلك المواقع ضمن إطار التنمية المستدامة، ولتشجيع إدماجها في حياة طرابلس الثقافية والسياحية. فبفضل الترميم المناسب والإدارة المسؤولة يمكن لجزيرة عبد الوهاب أن تصبح مساحةً مفتوحة ومتاحة للزوار أي رمزًا للحفاظ على البيئة، للترويج للسياحة البيئية ولنقل التراث.
 
منذ تأسيسها عام 2009، كرّست جمعيّة “تراث طرابلس – لبنان” جهودًا لحماية وتعزيز التراث المادي والمعنوي للمدينة. تقوم الجمعيّة بمشاريع ترميم وتُنظّم ورش عمل تدريبية وزيادة التوعية العامة حول قيمة التراث. تعتمد الجمعية على نهج تشاركي يشمل السكان بشكل مباشر ويعزّز الشعور بالانتماء ويضع التراث في قلب التنمية الاجتماعية والاقتصادية في طرابلس. حازت الجمعيّة على تقدير محلي ودولي بفضل مشاريعها، وأقامت شراكات مع مؤسسات مرموقة مثل معهد العالم العربي في باريس، مجلس الشيوخ الفرنسي، المجلس الاقليمي لمنطقة “إيل دو فرانس” ووزارات متعدّدة في لبنان مثل وزارة الثقافة والسياحة والتربية.  
 
وجسّد الحفل في 18 آب هذه الرؤية كاملةً حيث دمج بين الثقافة والمشاركة والتفاعل وذكّرَنا بأن التراث هو ثروة مشتركة لا يمكن أن تستمر إلا من خلال اهتمام ومشاركة الجميع.  

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...