كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
تتأرجح أسواق النفط في الوقت الراهن بين موجات من التفاؤل والتوتر، مما يعكس حالة عدم اليقين التي لا تزال تسيطر على الاقتصاد العالمي. فقد شهد النفط الخام(WTI) ارتفاعًا إلى نحو 62.80 دولارًا للبرميل خلال ساعات التداول الآسيوية المبكرة اليوم الخميس، مدعومًا بانخفاض المخزونات الأمريكية بشكل يفوق التوقعات. وهذا الارتفاع الطفيف يعكس في المقام الأول تفاعل السوق مع تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية(EIA) الذي أشار إلى انخفاض المخزونات بمقدار 6.014 مليون برميل للأسبوع المنتهي في 15 أغسطس، مقارنةً بارتفاع قدره 3.036 مليون برميل في الأسبوع السابق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن توقعات السوق كانت تشير إلى انخفاض محدود بمقدار 1.3 مليون برميل فقط. وهذه البيانات تُظهر أن الطلب على النفط ما زال قويًا نسبيًا، مما يعزز من التفاؤل حيال الاستقرار الجزئي في أسعار الخام، إلا أن التحديات الجيوسياسية والتجارية تضيف طبقة من التعقيد تحفز المتداولين على توخي الحذر.
ومن الناحية السياسية، تأتي تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تقديم الدعم الجوي لأوكرانيا كجزء من اتفاق لإنهاء الحرب، دون نشر قوات على الأرض، لتلعب دورًا محوريًا في تحديد مسار أسعار النفط. فبرأيي السوق يدرك جيدًا أن أي تقدم في محادثات السلام يمكن أن يقلل من المخاطر الجيوسياسية على إمدادات الطاقة، لكن في الوقت نفسه قد يسمح بعودة المزيد من النفط الروسي إلى السوق، مما يخلق ضغطًا هبوطيًا محتملًا على الأسعار. من وجهة نظري، هذا يعني أن أسعار النفط قد تستمر في التداول ضمن نطاق ضيق، مع احتمالية تقلبها حذرًا بين مستويات 62 و65 دولارًا للبرميل، حيث يوازن المستثمرون بين التفاؤل المتعلق بإنهاء الحرب والقلق من إعادة ضخ النفط الروسي في الأسواق العالمية.
كما أرى أن استقرار النفط ضمن نطاق الأسبوع الماضي يعكس حالة من الحذر، ويشير إلى أن المتداولين ما زالوا يترقبون البيانات الاقتصادية القادمة والتطورات الجيوسياسية. وأن أي مؤشرات على تصعيد التوترات بين روسيا والغرب، أو تأجيل اتفاقيات السلام، قد تدفع الأسعار للارتفاع المؤقت، في حين أن أي اتفاق سلام ملموس سيخلق ضغطًا هبوطيًا على الأسعار بسبب احتمالية زيادة الإمدادات. بمعنى آخر، السوق النفطي يعيش مرحلة من “الانتظار الاستراتيجي”، حيث يقوم المشاركون بتعديل مراكزهم وفقًا للرسائل السياسية والاقتصادية التي تصلهم بشكل يومي.
ومن الناحية الاقتصادية الكلية، هناك إشارات متزايدة على تباطؤ الطلب العالمي على النفط، وهو عامل قد يوازن بين أي صعود قصير الأجل في الأسعار. فالتقارير الأخيرة لوكالات الطاقة الدولية تشير إلى أن إنتاج كبار المنتجين، بما في ذلك أوبك+ والنفط الصخري الأمريكي، ما زال مرتفعًا وقد يستمر في تجاوز معدلات الاستهلاك، خاصة في ظل تباطؤ النمو في الاقتصادات الرئيسية. وبالنسبة لي، هذا يشير إلى أن أي ارتفاعات في الأسعار قد تكون محدودة ومؤقتة، لأن السوق يواجه خطر فائض معروض على المدى المتوسط، مما يجعل أي دعم سعري طويل الأجل مشروطًا بتحسن الطلب العالمي أو تراجع الإنتاج.
فالضغوط التجارية السابقة، مثل إعلان ترامب عن فرض رسوم جمركية إضافية على واردات النفط الروسي بنسبة 25%، أثرت بشكل مباشر على تحركات السوق وأدت إلى موجة بيع حادة، حيث انخفض النفط الخام بنحو 10% منذ بداية الشهر. وهذا يظهر كيف يمكن للتوترات السياسية والتجارية أن تؤثر بشكل سريع وعنيف على أسواق النفط، ويعزز وجهة نظري بأن المستثمرين لا يمكنهم الاعتماد فقط على البيانات الاقتصادية، بل يجب أن يراقبوا التطورات السياسية والجيوسياسية بعناية. علاوة على ذلك، فإن التهديدات المحتملة بفرض رسوم مماثلة على الصين تزيد من احتمالية تقلبات إضافية، مما يحتم على المتداولين والمستثمرين إدارة مخاطرهم بحذر شديد.
وبرأيي تختلف الاستجابات الإقليمية بشكل واضح. فقد أرجأت العديد من المصافي الهندية شراء النفط الروسي لشهر سبتمبر بسبب حالة عدم اليقين المتعلقة بالأسعار واللوجستيات التجارية، بينما تحركت المصافي الصينية بسرعة لتأمين الإمدادات، حيث حجزت بالفعل شحنات لشهري أكتوبر ونوفمبر. وهذه التحركات الانتهازية تظهر أن بعض اللاعبين في السوق يستفيدون من فرص الأسعار المنخفضة للنفط الروسي، مما قد يدعم الأسعار على المدى القصير، بينما يشير إلى أن السوق العالمية تظل متقلبة وغير متجانسة من حيث الطلب.
وبالنظر إلى كل هذه العوامل، أرى أن أسواق النفط ستظل في حالة تذبذب حذر خلال الفترة القادمة، مع احتمالية ارتفاع مؤقت في حالة تصاعد التوترات الجيوسياسية أو انخفاض آخر في المخزونات الأمريكية، بينما أي تقدم ملموس في محادثات السلام أو زيادة إمدادات النفط الروسي قد يؤدي إلى ضغط هبوطي. بالنسبة للمستثمرين، فإن التركيز على التوازن بين الطلب والعرض، ومتابعة التطورات السياسية، وتحليل مؤشرات المخزونات الاقتصادية، سيكون المفتاح لتحديد استراتيجيات فعالة للتداول. كما أن الاستفادة من فرص الشراء في حالات الهبوط المؤقتة، كما تفعل المصافي الصينية، يمكن أن توفر ميزة تنافسية في ظل تقلبات السوق الحالية.
وفي الختام، أرى أن النفط يمر بمرحلة دقيقة تجمع بين المخاطر والفرص. ارتفاع النفط الخام فوق 62.8 دولارًا يعكس قوة الطلب المؤقتة، لكنه لا يلغي احتمالات تقلب الأسعار في المستقبل القريب. والأسواق توازن حاليًا بين آمال إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية ومخاطر فائض المعروض، وهو ما يجعل إدارة المخاطر واستراتيجية التداول المدروسة ضرورة لكل المستثمرين. ومن وجهة نظري الأسواق ستظل متأرجحة ضمن نطاق محدود، مع فرص قصير الأجل للارتفاع، لكن أي اتجاه طويل الأجل يحتاج إلى إشارات واضحة من التطورات الجيوسياسية والاقتصادية على حد سواء.
التحليل الفني لـ النفط الخام (USOIL – WTI ):
يتداول النفط الخام حاليًا عند مستوى 64.06 دولارًا، مع كسر السعر من الحد العلوي للقناة الهبوطية الطويلة الأمد الموضحة على الرسم البياني لاربع ساعات. يظهر الرسم محاولة لتكوين نموذج انعكاس صعودي (ABC-D) مع مستوى Dعند 64.21 دولار، مما يشير إلى احتمال انتهاء الموجة الهبوطية الحالية وبداية تصحيح صعودي نحو مستويات المقاومة التالية. والمؤشرات الفنية، مثل مؤشر الاستوكاستيك، بدأت بالتحرك نحو مناطق التشبع الشرائي، مما يعكس ضغطًا شرائيًا متزايدًا، لكنه يحذر من احتمالية حدوث تصحيح قصير قبل استكمال الصعود.

وفي حالة استمرار الزخم الصعودي، يتوقع أن يواجه النفط مقاومة أولى عند 65.70 دولار(R1) ثم مستوى 67.32 دولار(R2)، وهما المستويان الرئيسيان اللذان سيحددان اتجاه السعر المقبل. ومن الناحية الأخرى، في حال فشل السعر في الحفاظ على القناة الصعودية الصغيرة عندD، فقد يشهد تراجعًا نحو الحد السفلي للقناة عند 62.00 دولار تقريبًا، مع اختبار الدعم النفسي عند 61.00 دولار، مما يعكس أن الزخم الهابط لم يتم كسره بعد بشكل كامل.
وللمستثمرين والمتداولين، يعتبر التركيز على إشارات الاختراق والارتداد عند هذه المستويات الرئيسة قبل اتخاذ أي قرارات تداول كبيرة الاستراتيجية الاضل. وأي اختراق واضح فوق 65.70 دولار يمكن أن يفتح الطريق نحو 67.32 دولار، بينما أي كسر أدنى 62.00 دولار قد يعيد السوق إلى الضغط الهبوطي على المدى القصير. وإدارة المخاطر واستخدام أوامر وقف الخسارة ستكون ضرورية في ظل تقلبات السوق الحالية.
مستويات الدعم: 63.63 – 62.57 – 60.55
مستويات المقاومة: 65.60- 67.32 – 68.00
الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية