كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
واصل الذهب(XAU/USD) ارتفاعه اللافت ليقترب من مستوى 3,590 دولارًا أمريكيًا خلال الفترة الآسيوية المبكرة اليوم الاثنين، في مسار صعودي يقترب من أعلى مستوياته التاريخية. وهذا التحرك يعكس تأثر الأسواق مباشرة بالبيانات الأمريكية الأخيرة، وبالأخص تقرير الوظائف غير الزراعية الذي كشف عن تباطؤ ملموس في التوظيف خلال أغسطس وارتفاع معدل البطالة إلى أعلى مستوى له منذ عام 2021. وبرأيي يعكس هذا الأداء انخفاض قوة سوق العمل الأمريكية، ويعزز التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيخفف السياسة النقدية في اجتماعه المقبل، مما يقلل تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب ويزيد جاذبيته كأصل آمن.
فتقرير الوظائف الأخير، الذي أظهر إضافة الاقتصاد الأمريكي 22 ألف وظيفة فقط في أغسطس وتعديلات سلبية على بيانات يونيو، يشير إلى تراجع في قوة سوق العمل، وهو ما يعتبر مؤشراً واضحًا على تباطؤ النشاط الاقتصادي في أكبر اقتصاد عالمي. وفي ظل هذه المعطيات، من المتوقع أن يشهد الذهب دعمًا إضافيًا من خفض أسعار الفائدة المتوقع، حيث تشير الأسواق حاليًا إلى احتمال بنسبة 84% لخفض بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع 17 سبتمبر، واحتمال بنسبة 16% لخفض أكثر عدوانية بمقدار 50 نقطة أساس. وهذه الاحتمالات تعكس توقعات المستثمرين بانخفاض تكلفة الاقتراض، وبالتالي زيادة الطلب على الأصول التي لا تدر فائدة مباشرة مثل الذهب، وهو ما يفسر استمرار الضغط الشرائي على المعدن النفيس.
وعلى صعيد آخر، يبقى الطلب المتزايد من البنوك المركزية عاملًا داعمًا رئيسيًا للذهب. فقد أضاف بنك الشعب الصيني الذهب إلى احتياطياته في أغسطس، مسجلاً الشهر العاشر على التوالي من مشتريات السبائك. وبلغت احتياطيات الصين من الذهب 74.02 مليون أونصة بنهاية أغسطس، ارتفاعًا من 73.96 مليون أونصة في يوليو. ومن وجهة نظري، تؤكد هذه الخطوة أن البنوك المركزية الرئيسية تواصل تعزيز ملاذاتها الآمنة وسط عدم اليقين الاقتصادي العالمي، مما يوفر قاعدة دعم مستدامة للذهب حتى في أوقات تقلبات الدولار أو تقلبات الأسواق المالية العالمية.
ومع بداية الأسبوع الجديد، يظهر الذهب مرحلة استقرار صعودي في نطاق أقل بقليل من مستوى 3,600 دولار أمريكي، وهو أعلى مستوى تاريخي سجله يوم الجمعة الماضي. على الرغم من ارتفاع الدولار الأمريكي بشكل طفيف من أدنى مستوى له منذ أواخر يوليو، فإن التذبذب الحالي يعكس حالة من الانتظار بين المتداولين قبل صدور بيانات التضخم الأمريكية المقبلة، والتي من المحتمل أن تؤثر بشكل مباشر على توقعات السياسة النقدية. وفي هذا السياق، يظل أداء الذهب حساسًا لكل تحرك في الدولار، حيث أن أي ارتفاع ملموس للعملة الأمريكية قد يضع ضغوطًا على المعدن النفيس، بينما التراجع في قوة الدولار يعزز من استمرارية الصعود.
ومن زاوية التحليل الفني والمالي، يبدو أن أي صعود كبير في قيمة الدولار الأمريكي بعيد المنال في الوقت الحالي، نظرًا لتزايد التوقعات بتخفيف أكثر صرامة للسياسة النقدية من قِبل الاحتياطي الفيدرالي مدعومًا ببيانات ضعيفة حول سوق العمل. هذا الأمر يجعل الذهب في وضعية قوية نسبيًا، مدعومًا أيضًا بالشراء المستمر من قبل البنوك المركزية، مما يخلق توازنًا بين الضغوط الصاعدة والهابطة في السوق. ومع ذلك، فإن مستويات ذروة الشراء قد تحد من رغبة بعض المتداولين في إعادة وضع رهاناتهم قبل صدور أرقام التضخم الأمريكية، مما يعكس طبيعة السوق الحساسة والتحرك التكتيكي للمستثمرين المؤسسيين.
وتُظهر التداولات الأخيرة أن الذهب توقف مؤقتًا لالتقاط الأنفاس وسط ارتفاع محدود في الدولار وتراجع الطلب على الملاذ الآمن، في وقت تتطلع فيه الأسواق إلى مؤشرات التضخم القادمة. فانخفاض متوسط الأجر السنوي إلى 3.7% مقابل 3.9% في يوليو يشير إلى تباطؤ نمو الأجور، مما يعزز احتمالية استمرار الاحتياطي الفيدرالي في تخفيف الضغط على الاقتصاد من خلال خفض أسعار الفائدة. لذا أرى أن، هذا يضع الذهب في موقع مميز للاستفادة من بيئة التضخم المنخفض وتراجع العوائد الحقيقية على الأصول النقدية، مما يزيد من جاذبيته كأداة تحوطية.
ومن المتوقع أن يظل الذهب متذبذبًا نسبيًا خلال الفترة المقبلة، مع مراعاة بيانات التضخم الأمريكية القادمة، التي قد تحدد الاتجاه التالي للمعدن النفيس. فإذا جاءت أرقام مؤشر أسعار المنتجين أفضل من المتوقع، فقد يدعم ذلك الدولار ويضع ضغطًا على الذهب، بينما استمرار ضعف البيانات سيزيد من قوة الذهب. حيث تشير التوقعات إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة ثلاث مرات بنهاية العام، وهو ما يعزز من فرص الذهب في تسجيل مستويات قياسية جديدة. والبنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها الصين، مستمرة في شراء الذهب، مما يخلق أساسًا قويًا للطلب العالمي ويقلل من تأثير تقلبات الأسواق المالية قصيرة الأجل على المعدن النفيس.
وفي المجمل، يمثل الذهب ملاذًا آمنًا ذا قدرة على الصمود في مواجهة تراجع قوة الدولار وتباطؤ سوق العمل الأمريكي، مدعومًا بالشراء المؤسسي والمراكز الاحتياطية للبنوك المركزية. والاتجاه المستقبلي للذهب سيعتمد بشكل كبير على مزيج من السياسة النقدية الأمريكية، البيانات الاقتصادية القادمة، ومستويات الطلب العالمي، وهو ما يجعل المعدن النفيس أداة استراتيجية لتخفيف المخاطر في المحافظ الاستثمارية. لذا أرى أن الذهب قادر على اختبار مستويات جديدة قياسية خلال الأشهر المقبلة إذا استمرت هذه العوامل لصالحه، مع إمكانية حدوث تصحيحات طفيفة في حالة صدور بيانات إيجابية تفاجئ الأسواق وتدعم الدولار الأمريكي.
وفي النهاية، الذهب في حالة صعود متواصل، مدعومًا بتراجع التوظيف الأمريكي وشراء البنوك المركزية، مع توقعات قوية بمزيد من الارتفاع خلال سبتمبر، مما يجعله أحد الأصول الأكثر جذبًا للاستثمار الآمن في ظل بيئة اقتصادية عالمية متقلبة.
التحليل الفني لـ الذهب (XAUUSD ):

شهد الذهب موجة صعود قوية خلال الفترة الأخيرة لامس خلالها مستويات 3,600 دولار، مدفوعًا بزخم شرائي قوي وتكوين قمم وقيعان صاعدة متتالية. الحركة السعرية الأخيرة أظهرت نموذجًا أقرب إلى “ABCD” مكتمل عند القمة الحالية، مما يعكس احتمالية دخول السعر في مرحلة تصحيح أو تماسك قبل محاولة استكمال الصعود. والمؤشرات الفنية مثل الستوكاستيك تظهر نموذج دايفرجنس هابط، مما يدعم سيناريو حدوث تراجع مؤقت.
ومن جهة أخرى، مستويات فيبوناتشي تدعم وجود مناطق ارتداد مهمة، حيث يشكل مستوى 0.33 عند 3,500 دولار أول محطة دعم محتملة إذا بدأ السعر في التصحيح. وفي حال كسر هذا المستوى، فإن المنطقة الذهبية(Golden Zone) الممتدة قرب 3,406 – 3,420 دولار تبقى منطقة ارتداد رئيسية قد يستعيد منها السعر اتجاهه الصاعد. واستمرار التداول أعلى المتوسط المتحرك الرئيسي يعزز النظرة الإيجابية على المدى المتوسط.
أما في حال تمكن السعر من اختراق المقاومة الحالية عند 3,600 دولار بإغلاق واضح، فقد نرى امتدادًا صعوديًا نحو 3,660 دولار (R1) كمستوى مستهدف أول، مع احتمالية اختبار مناطق أعلى قرب 3,700 دولار. بذلك، يبقى الاتجاه العام صاعدًا طالما لم يكسر الذهب مناطق الدعم الرئيسية، بينما أي اختراق لمستويات المقاومة قد يفتح المجال أمام موجة صعود جديدة.
مستويات الدعم: 3,500 – 3,420 – 3,406
مستويات المقاومة: 3,600 – 3,660 – 3,700
الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية