كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
يشهد زوج الدولار الأمريكي/الين الياباني في الأيام الأخيرة تحركات لافتة، إذ ارتفع بنسبة 0.3% ليقترب من مستوى 148.00 خلال تداولاته الأخيرة، مدعوماً بارتفاع قيمة الدولار أمام معظم العملات الرئيسية قبيل صدور بيانات التضخم الأمريكية لشهر أغسطس. وهذا الارتفاع ليس مجرد تقلب اعتيادي في سوق العملات، بل يعكس تبايناً عميقاً بين توجهات السياسة النقدية في الولايات المتحدة واليابان، وهو ما يمنح الأسواق مادة دسمة للتحليل والاستشراف.
ومن الواضح أن مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) الذي يتتبع أداء العملة الأمريكية أمام سلة من ست عملات رئيسية يتحرك بالقرب من أعلى مستوى له في ثلاثة أيام عند حدود 98.00، مما يعكس ثقة ملحوظة من قبل المستثمرين في قوة الدولار على المدى القصير. وهذه الثقة تعززت بعد صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي التي جاءت متوافقة مع التوقعات على أساس سنوي، بل وأعلى بقليل على أساس شهري، مما يشير إلى أن الضغوط التضخمية لا تزال قائمة، وإن لم تكن بالحدة التي قد تربك مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشكل كامل.
لكن في المقابل، جاءت بيانات طلبات إعانة البطالة أعلى من المتوقع بكثير، وهو ما يسلط الضوء على هشاشة سوق العمل الأمريكي مقارنة بالشهور الماضية. ومن وجهة نظري، فإن هذا التناقض بين استقرار التضخم نسبياً وضعف سوق العمل يعيدنا إلى المعضلة التقليدية للفيدرالي: كيف يوازن بين مهمته في السيطرة على الأسعار من جهة، والحفاظ على استقرار التوظيف والنمو من جهة أخرى؟ هذه المعضلة تجعل قرارات السياسة النقدية في الفترة المقبلة أكثر حساسية وتعقيداً.
كما أن الأسواق ما زالت تتوقع بنسبة 92% خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس فقط في الاجتماع المقبل، مقابل 8% لخفض أكبر بمقدار 50 نقطة أساس. وبرأيي، ورغم أن بيانات التضخم لم تشكل مفاجأة كبيرة، إلا أن ضعف سوق العمل قد يمنح الفيدرالي مساحة أكبر للميل نحو خفض أكثر جرأة إذا ما استمرت المؤشرات السلبية في الأسابيع القادمة. ومع ذلك، فإن شخصية الفيدرالي الحالية تبدو حذرة للغاية، ومن المرجح أن يكتفي بخطوة محدودة الآن مع الإبقاء على لهجة مرنة تتيح المجال لمزيد من التيسير في الاجتماعات اللاحقة.
أما بالنسبة للين الياباني، فإن الصورة أكثر وضوحاً ولكنها أقل حركة. فبنك اليابان يبدو متمسكاً بسياسة الفائدة المنخفضة عند 0.5% وعدم إدخال تعديلات كبيرة في الوقت الراهن، وهذا الموقف الثابت يعكس رؤية البنك بأن الاقتصاد الياباني لا يزال بحاجة إلى دعم نقدي واسع، خصوصاً في ظل ضعف معدلات التضخم المحلية وتباطؤ النمو. ومن هنا، يظل الين في موقع ضعف أمام الدولار، حيث لا يجد المستثمرون محفزات كافية للاحتفاظ بالعملة اليابانية في مواجهة عوائد أعلى يوفرها الدولار الأمريكي.
كما أرى أن مستوى 148.00 يمثل حاجزاً نفسياً مهماً لزوج الدولار/الين. وإذا نجح الزوج في اختراقه بثبات، فقد نشهد اندفاعة جديدة باتجاه مستويات 149 وربما 150 على المدى القصير، مدفوعة بالفجوة في السياسات النقدية بين الفيدرالي وبنك اليابان. إلا أنني أرى أن استمرار هذا الاتجاه الصاعد سيظل رهناً بقدرة الاقتصاد الأمريكي على إظهار صلابة إضافية، خاصة في بيانات سوق العمل والإنتاج الصناعي خلال الفترة المقبلة. أما في حال أظهرت البيانات ضعفاً أكبر، فقد يشهد الدولار ضغوطاً تصحيحية مؤقتة حتى في مواجهة الين الضعيف.
ومن زاوية أوسع، فإن حركة الدولار/الين الحالية ليست مجرد انعكاس لتباين السياسات النقدية، بل تعكس أيضاً إعادة تموضع عالمي للمستثمرين في ظل الغموض الذي يكتنف آفاق النمو العالمي. فالتضخم الأمريكي يظل محور الاهتمام، لكن تزايد إشارات التباطؤ الاقتصادي تجعل قرارات الاستثمار أكثر حذراً وتدفع إلى تفضيل الأصول الآمنة أحياناً. ومن هنا، لا يمكن استبعاد أن يستعيد الين بعض قوته على المدى المتوسط إذا ما ارتفعت مستويات القلق الجيوسياسي أو تفاقمت مخاطر الركود في الاقتصادات الكبرى.
وبرأيي، يظل المسار الأكثر ترجيحاً هو أن يواصل الدولار تفوقه على الين في الأجل القصير، مستفيداً من ميزة العوائد المرتفعة وتوقعات استمرار خفض الفائدة بشكل تدريجي ومنظم من جانب الفيدرالي. غير أن هذا التفوق ليس مضموناً على المدى البعيد، لأن تراكم إشارات ضعف سوق العمل الأمريكي قد يغير حسابات المستثمرين سريعاً ويقود إلى إعادة تقييم جماعية للتوقعات. وفي هذه الحالة، قد يتحول الين من عملة ضعيفة إلى ملاذ نسبي إذا تزايدت المخاوف العالمية.
وفي المحصلة، أرى أن ارتفاع زوج الدولار/الين إلى حدود 148 يعكس لحظة دقيقة في الأسواق العالمية، حيث تتقاطع عوامل التضخم والسياسة النقدية مع مؤشرات سوق العمل والاعتبارات الجيوسياسية. والقرار المقبل للفيدرالي سيشكل علامة فارقة، لكن الأهم هو رسالته المستقبلية بشأن المسار التالي للفائدة. وإذا ظل بنك اليابان ثابتاً على موقفه، فإن الدولار سيبقى مدعوماً، لكن أي تغير مفاجئ في لهجة طوكيو قد يضيف عنصر مفاجأة يعيد خلط الأوراق. لذا، أعتقد أن المرونة في التعامل مع هذا الزوج والاحتفاظ بنظرة مرنة هما الخيار الأمثل للمستثمرين في المرحلة الراهنة.
التحليل الفني لـ الدولار/ الين (USDJPY ):
بناءً على الرسم البياني لزوج الدولار/الين الياباني على الإطار الزمني للأربع ساعات، يمكن ملاحظة أن السعر يتحرك ضمن نطاق عرضي مائل للصعود بين 146.30 و148.20 تقريباً، حيث يشكل مستوى 148.22 مقاومة محورية يتوقف عندها الزخم الصاعد مراراً. النمط الفني الأقرب هو تَشكُّل نموذج هارمونيك (ABCD) مكتمل تقريباً، ما يشير إلى احتمالية ارتداد سعري ما لم يخترق الزوج المقاومة الرئيسية بثبات. والمؤشرات الفنية (وخاصة الاستوكاستيك) توضح حالة من التشبع البيعي، مما قد يمنح الأسعار دفعة صعودية قصيرة الأجل.


ومن جهة أخرى، بقاء السعر فوق مستوى 147.00 يعزز التوقع بأن المشترين لا يزالون متمسكين بمستوياتهم، لكن أي كسر واضح أسفل هذا الدعم قد يعيد الزخم الهابط ويدفع السعر لاختبار 146.30. وإذا فشل المشترون في الدفاع عن هذا المستوى، فقد نرى تراجعاً أعمق نحو 145.50، وهو ما يتماشى مع الامتداد الهابط الموضح في الرسم. بالمقابل، أي اختراق ناجح لمستوى 148.22 سيفتح الطريق نحو 149.10 كمستهدف صاعد جديد، وهو ما قد يحفز دخول موجة شراء قوية.
وبرأيي الفني، السيناريو الأقرب هو استمرار التذبذب ضمن هذا النطاق مع ميل صعودي محدود، بانتظار محفز أساسي جديد مثل تصريحات الفيدرالي أو بيانات إضافية من الاقتصاد الأمريكي. لذلك، متابعة رد فعل السعر حول 148.22 كمستوى مقاومة محوري وحول 147.00 كدعم فاصل سيبقى حاسماً لتحديد الاتجاه التالي خلال الجلسات القادمة.
مستويات الدعم: 147.00 – 146.30 – 145.50
مستويات المقاومة: 148.22 – 149.10 – 150.00
الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية