كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
يسجل مؤشر الدولار الأمريكي(DXY) مكاسب متواضعة قرب مستوى 98.40 في تعاملات اليوم الجمعة، وسط حالة ترقب ملحوظة في الأسواق قبل صدور بيانات التضخم في نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر أغسطس، والتي تُعد من أهم المؤشرات التي يستند إليها مجلس الاحتياطي الفيدرالي في قراراته المتعلقة بالسياسة النقدية. وهذا الارتفاع الذي دفع المؤشر إلى أعلى مستوياته منذ نحو ثلاثة أسابيع لا يمكن النظر إليه فقط كتحرك تقني عابر، بل هو انعكاس لمجموعة من المعطيات الاقتصادية التي عززت الثقة المؤقتة في العملة الأمريكية، وفي الوقت ذاته دفعتنا للتساؤل حول مدى استدامة هذه المكاسب في ظل حالة الغموض المحيطة بالمسار المستقبلي للفائدة والتضخم.
تؤكد البيانات الاقتصادية الأخيرة أن الاقتصاد الأمريكي ما يزال يتمتع بزخم ملحوظ. فقد أظهر التقدير النهائي للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني نمواً بمعدل سنوي قدره 3.8%، وهو أعلى من القراءة السابقة وتوقعات الأسواق البالغة 3.3%. وهذا الأداء برأيي يعكس صلابة النشاط الاقتصادي في وقت يواجه فيه العالم تباطؤاً في قطاعات حيوية بسبب الضغوط التضخمية وتداعيات السياسة النقدية المتشددة في السنوات الأخيرة. وعلى نحو متزامن، سجلت طلبات إعانة البطالة الأولية تراجعاً إلى 218 ألف طلب، وهو مستوى أقل من المتوقع، مما يعزز من قوة سوق العمل ويدعم موقف الفيدرالي في التريث قبل إقرار خفض قوي للفائدة.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، فإن مسألة السياسة النقدية تظل محورية في تفسير تحركات مؤشر الدولار. فالتباين في تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يعكس حجم الانقسام داخل المؤسسة حول التوقيت المناسب لبدء دورة التيسير النقدي المقبلة. ففي حين يرى جيفري شميد ضرورة خفض الفائدة لحماية سوق العمل من أي ضغوط مستقبلية، يؤكد أوستن غولسبي على خطورة القيام بذلك في وقت لم ينخفض فيه التضخم بعد إلى المستوى المستهدف. أما ماري دالي فقد تبنت موقفاً أكثر حذراً، معتبرة أن موازنة أهداف التوظيف مع استقرار الأسعار تقتضي خطوات محسوبة، وليست قرارات متسرعة. وهذه التوجهات المتباينة تضع الأسواق في حالة ترقب دائم، حيث أصبحت القرارات رهينة تطورات بيانات التضخم والعمالة.
والأسواق اليوم تسعر خفضاً محتملاً للفائدة بنحو 50 نقطة أساس في الاجتماعين المتبقيين هذا العام، لكن هذا التقدير يظل هشاً وقابلاً للتغيير تبعاً لأي مفاجآت في بيانات الأسعار أو سوق العمل. وهنا، يكتسب مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأمريكي(PCE) أهمية استثنائية. فالتوقعات تشير إلى ارتفاع المؤشر الرئيسي بنسبة 2.7% على أساس سنوي في أغسطس، بينما يُنتظر أن يسجل المؤشر الأساسي – المستبعد منه أسعار الغذاء والطاقة – نمواً بنسبة 2.9%. وهذه الأرقام، إن جاءت متماشية مع التقديرات أو أقل منها، قد تمنح الفيدرالي مبرراً لتبني خفض أسرع للفائدة، وهو ما سيضغط مباشرة على مؤشر الدولار. أما إذا جاءت أعلى من المتوقع، فسوف تعزز وجهة النظر الداعية إلى الإبقاء على تشدد السياسة النقدية لفترة أطول، ما قد يمنح الدولار دفعة إضافية نحو الصعود.
لذا أرى أن مكاسب مؤشر الدولار الحالية قرب 98.50 قد تكون مؤقتة إذا ما جاءت بيانات التضخم دون المتوقع، خاصة أن الأسواق تتعامل بحساسية مفرطة مع أي إشارة على تراجع الضغوط السعرية. وفي هذه الحالة، قد نرى انعكاساً سريعاً في حركة الدولار، خصوصاً أمام اليورو والين، حيث ستستغل العملات المنافسة أي ضعف في الدولار لتعويض خسائرها الأخيرة. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة أن الاقتصاد الأمريكي ما يزال أقوى نسبياً من الاقتصادات الكبرى الأخرى، وسواء في أوروبا التي تعاني ركوداً صناعياً أو في اليابان التي تواصل الالتزام بسياسات نقدية فائقة التيسير. وهذا التباين في الأداء الأساسي يمنح الدولار قاعدة دعم مستمرة على المدى المتوسط، حتى في حال تباطؤ زخم مكاسبه في الأجل القصير.
والسيناريو الأكثر ترجيحاً من وجهة نظري يتمثل في بقاء الدولار ضمن نطاق محدود بين 97.80 و99.20 خلال الأسابيع المقبلة، بانتظار وضوح اتجاه التضخم الفعلي وتحديد موقف الفيدرالي بشكل أكثر دقة في اجتماعاته المقبلة. وتجاوز مستوى 98.50 بشكل مستدام يتطلب دعماً واضحاً من البيانات، وهو ما قد يتحقق إذا واصلت أسعار الاستهلاك الشخصي إظهار مقاومة للهبوط. أما الهبوط دون 98.00 فسيكون إشارة إلى أن الأسواق بدأت تسعّر خفضاً وشيكاً للفائدة استناداً إلى مؤشرات اقتصادية أضعف.
وفي المحصلة، يمكن القول إن تحركات مؤشر الدولار الأمريكي تعكس معادلة معقدة بين قوة الاقتصاد المحلي وتذبذب التوقعات بشأن الفائدة، وبين ضغوط التضخم ومواقف صناع القرار النقدي. وبيانات نفقات الاستهلاك الشخصي المنتظرة اليوم ستكون بمثابة حجر الزاوية في إعادة تشكيل توقعات المستثمرين للأسابيع المقبلة. فإذا ما أكدت هذه البيانات استمرار الضغوط السعرية، فسيبقى الدولار في موقع قوة ويحتفظ بمكاسبه الأخيرة وربما يتجه لاختبار مستويات أعلى. أما إذا خيبت البيانات التوقعات وأشارت إلى تراجع التضخم بشكل أوضح، فإن الحديث عن قمة مؤقتة عند 98.50 سيكون واقعياً، وقد نشهد تراجعاً تدريجياً في قوة العملة الأمريكية.
وعليه، فإن قراءة المشهد تفرض على المستثمرين توخي الحذر في بناء مراكز طويلة الأمد على الدولار قبل صدور البيانات، والاحتفاظ بهامش مرن يسمح بالتفاعل السريع مع أي مفاجآت. فالتاريخ القريب علّمنا أن الفيدرالي لا يتردد في تغيير نبرته إذا ما تغيرت المعطيات الأساسية، وهو ما يجعل كل تقرير اقتصادي بارز، مثل تقرير نفقات الاستهلاك الشخصي، عنصراً حاسماً في تحديد وجهة الدولار خلال المرحلة المقبلة.
التحليل الفني لـ مؤشر الدولار (DXY ):
التحليل الفني لمؤشر الدولار الأمريكي (DXY) يشير إلى أن المؤشر نجح في اختراق مناطق مقاومة سابقة حول 97.80، واستمر في الصعود حتى لامس مستويات 98.50 تقريبًا، والتي تمثل حالياً حاجزاً نفسياً ومقاومة رئيسية قصيرة الأجل. والحركة الأخيرة الصاعدة جاءت قوية وسريعة بعد تكوين قاع واضح قرب 96.60، ما يعكس قوة شرائية متجددة مدعومة بالزخم الإيجابي على المدى القصير. ومع ذلك، تظهر المؤشرات الفنية إشارات أولية للتشبع الشرائي، ما قد يحد من استمرار الزخم الصعودي في المدى القريب.

DXY 26.09.2025
والنموذج السعري الحالي يوحي باحتمال تكوين موجة تصحيحية بعد الارتفاع الحاد، إذ يواجه المؤشر مقاومة مباشرة عند المنطقة ما بين 98.40 و98.50. وأي فشل في اختراق هذه المنطقة والثبات أعلاها قد يفتح المجال أمام حركة تصحيحية تستهدف إعادة اختبار مستويات الدعم الأولى حول 97.80. وهذا السيناريو يتماشى مع قراءة مؤشر الاستوكاستيك الذي يظهر اقتراباً من مناطق التشبع الشرائي، ما يدعم احتمالية حدوث جني أرباح قصير الأجل.
وعلى الجانب الآخر، اختراق واضح وثبات يومي أعلى مستوى 98.50 سيعتبر إشارة إيجابية لاستمرار الاتجاه الصاعد، ويفتح المجال أمام اختبار مستويات المقاومة التالية عند 99.00 وربما 99.50، حيث يلتقي السعر مع مستويات محورية تاريخية. واستمرار هذا السيناريو الصاعد مشروط باستمرار البيانات الاقتصادية الداعمة للدولار وتراجع توقعات خفض الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي.
وبالمقابل، كسر مستوى الدعم عند 97.80 سيؤدي إلى تزايد الضغوط البيعية، ما قد يدفع المؤشر نحو 97.20 وربما إعادة اختبار قاع 96.60 إذا تصاعدت توقعات تيسير السياسة النقدية أو جاءت بيانات التضخم دون المتوقع. وبقاء الأسعار ضمن نطاق 97.80 – 98.50 قد يعكس حالة توازن وانتظار بين المشترين والبائعين لحين وضوح الصورة الاقتصادية.
مستويات الدعم: 97.80 – 97.20 – 96.60
مستويات المقاومة: 98.50 – 99.00 – 99.50
الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية