الذهب (XAUUSD) في مفترق طرق جديد بين تقلبات الدولار وتفاؤل الفيدرالي!

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

في ضوء التطورات الأخيرة في الأسواق العالمية، يواصل الذهب إثارة الجدل بين المستثمرين والمحللين حول الاتجاه الذي سيسلكه في المدى القريب. فقد تمكن المعدن النفيس من استعادة بعض زخمه الإيجابي بعد فترة من التراجع، مستفيدًا من الضعف الطفيف في قيمة الدولار الأمريكي ومن تجدد الطلب على الأصول الآمنة. ومع ذلك، فإن الصورة ليست أحادية الاتجاه، إذ يقف خلف المشهد مزيج من العوامل المتضادة التي تجعل توقع المسار المستقبلي للذهب مهمة دقيقة تتطلب قراءة متأنية للتطورات النقدية والسياسية والاقتصادية معًا.

من وجهة نظري، أرى أن الحركة الحالية للذهب هي أقرب إلى “تصحيح فني مدعوم بعوامل نفسية” أكثر من كونها بداية لموجة صعود قوية جديدة. ضعف الدولار الأمريكي بالفعل يوفر دعماً للمعدن، لكن هذا الدعم يبدو هشًا في ظل استمرار الفيدرالي الأمريكي في تبني نغمة متشددة نسبيًا. فعلى الرغم من خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس مؤخرًا، فإن تصريحات رئيس الفيدرالي جيروم باول جاءت لتضع حدًا لتوقعات السوق بخفض إضافي في المدى القريب، وهو ما أضعف شهية المستثمرين تجاه الأصول غير المدرة للعائد مثل الذهب. وعليه، فإن أي محاولات من الذهب لاختراق مستويات المقاومة الحالية قد تواجه عراقيل قوية طالما بقيت السياسة النقدية الأمريكية مائلة إلى التشدد النسبي.

في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل أن تجدد المخاوف الاقتصادية العالمية يمنح الذهب قدرًا من الدعم النفسي، خصوصًا في ظل استمرار حالة الغموض بشأن آفاق التجارة العالمية بين الولايات المتحدة والصين. ورغم التفاؤل الحذر الذي أبداه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن نتائج المباحثات مع نظيره الصيني شي جين بينغ، فإن الأسواق لم تترجم ذلك إلى ثقة كاملة بعد. فالتجارب السابقة علمت المستثمرين أن “التفاؤل التجاري” كثيرًا ما يتبدد أمام أول عقبة تفاوضية أو تصريح متشدد. لذا، من المتوقع أن يبقى الذهب محتفظًا ببعض جاذبيته كملاذ آمن، لا سيما مع دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة تباطؤ نسبي وعودة النقاشات حول احتمالية الركود الفني خلال العام القادم.

تاريخيًا، أثبت الذهب أنه أكثر حساسية للتوجهات المستقبلية للفائدة الأمريكية من القرارات الفعلية ذاتها. وبناءً على قراءتي الحالية لتوجهات الفيدرالي، فإن البنك يسعى جاهدًا لإبقاء توقعات السوق منضبطة دون السماح بتشكل قناعة جماعية بأن دورة التيسير النقدي مستمرة. هذا يعني أن أي بيانات اقتصادية قوية في الولايات المتحدة، خصوصًا في سوق العمل أو التضخم، ستعيد الضغط على الذهب وتحد من قدرته على تحقيق ارتفاعات متواصلة. وفي المقابل، أي مؤشرات ضعف في الاستهلاك أو الإنتاج الصناعي قد تُعيد للذهب بريقه وتفتح الباب أمام عودة المستثمرين إلى مراكزه الصعودية.

ومن العوامل الأخرى التي تدعم الذهب مؤقتًا حالة الجمود السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، لاسيما مع استمرار إغلاق الحكومة الذي ألقى بظلاله على ثقة الأسواق. هذه التطورات تُضعف الثقة في الأداء المالي والاقتصادي الأمريكي، وهو ما يدفع بعض المستثمرين إلى البحث عن ملاذات أكثر أمانًا. غير أنني أرى أن هذا العامل ذو تأثير مؤقت، فبمجرد توصل الأطراف السياسية إلى تسوية، سيفقد الذهب جزءًا من هذا الدعم الطارئ.

وفي المقابل، يجب الإشارة إلى أن جزءًا من مكاسب الذهب الأخيرة قد يكون ناتجًا عن عمليات تغطية مراكز بيعية قصيرة الأجل أكثر من كونه طلبًا استثماريًا حقيقيًا. وهذا ما يجعل الارتفاعات الحالية عرضة لتصحيحات مفاجئة إذا ما تحسنت بيانات الدولار الأمريكي أو ظهرت مؤشرات جديدة على متانة الاقتصاد العالمي. لذلك، أعتقد أن أي تحركات حادة فوق مستويات المقاومة النفسية الرئيسية ستحتاج إلى زخم أساسي أقوى، ربما يأتي من تغير فعلي في نغمة الفيدرالي أو من تصاعد جديد في التوترات الجيوسياسية.

مع ذلك، لا يمكن إنكار أن الذهب لا يزال يحتفظ بمكانته الجوهرية في المحافظ الاستثمارية كأداة للتحوط ضد المخاطر، خصوصًا في ظل استمرار حالة عدم اليقين العالمية. ومن المرجح أن يحافظ على نطاق تداول متوازن بين 2280 و2330 دولارًا للأونصة خلال الأيام القليلة المقبلة، مع احتمالية اختبار المستويات الأعلى فقط إذا أظهرت خطابات أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ميلًا أوضح نحو التيسير. لكن حتى ذلك الحين، يبدو أن المعدن الأصفر سيظل يتحرك ضمن نطاق جانبي متذبذب يعكس حالة الترقب التي تسيطر على الأسواق.

وفي الختام، أرى أن الذهب يقف الآن عند مفترق دقيق بين قوى الدعم النفسية والضغوط النقدية. الضعف المحدود للدولار الأمريكي يوفر متنفسًا قصير الأجل، لكن تشدد الفيدرالي وثقة الأسواق في استقرار الاقتصاد الأمريكي يفرضان سقفًا واضحًا أمام أي اندفاعة صعودية كبيرة. ومن وجهة نظري، من السابق لأوانه الحديث عن موجة ارتفاع جديدة مستدامة ما لم نشهد تحولًا ملموسًا في السياسة النقدية الأمريكية أو تجددًا واسعًا في المخاوف الاقتصادية العالمية. وحتى ذلك الحين، سيبقى الذهب في حالة توازن هشة، يعكسها بريق متجدد مؤقت، لكن دون لمعان حقيقي يدفعه نحو قمم جديدة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...