البيتكوين تسجّل تعافياً طفيفاً وسط استمرار حذر المتداولين من العودة لدفع الأسعار

بقلم سامر حسن، محلل أسواق أول في XS.com

ارتفعت البيتكوين بنحو 1.5% اليوم، لتستعيد مستوى 109,000 دولار بعد أربعة أيام متتالية من التراجع. ويأتي هذا الارتداد المحدود مع محاولة المتداولين تثبيت مراكزهم بعد موجة من عمليات البيع المكثّفة والتقلّبات الحادة. ورغم هذا التعافي الطفيف، لا تزال الثقة في السوق هشّة، إذ تواصل البيتكوين مواجهة ضغوط متشابكة من العوامل الاقتصادية الكلية ومن ديناميكيات السوق الداخلية.

يبدو أن هذا الارتداد الأخير أقرب إلى حركة تصحيحية ضمن اتجاه هابط أوسع، إذ يشير ضعف تراكم مراكز الشراء واستمرار التقلّبات المرتفعة وعمليات التصفية المتواصلة في سوق العقود الآجلة إلى حذر واضح بين المتداولين. ومع استمرار الغموض بشأن مسار أسعار الفائدة وضعف معنويات أسواق الأسهم واستمرار التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، يبقى الإقبال على المخاطرة محدوداً. وفي غياب مؤشرات قوية على تجدد عمليات التراكم أو تدفقات مؤسسية جديدة، يُرجّح أن يظل التعافي محدوداً وعرضة للانعكاس مجدداً.

وتؤكد بيانات سوق العقود الآجلة هذا الحذر. فبحسب بيانات CoinGlass، جرى تصفية مراكز شرائية بقيمة تقارب مليار دولار أمس وحده، منها 377 مليون دولار في عقود البيتكوين الآجلة. ومنذ يوم الاثنين، اقترب إجمالي التصفية من ملياري دولار. ويبدو أن المتداولين في سوق العقود المستقبلية يعيدون بناء مراكزهم بحذر شديد بعد موجة الرفع المالي التاريخية التي حدثت قبل 20 يوماً. ولا يزال إجمالي المراكز المفتوحة في العقود الآجلة للعملات المشفرة عند نحو 160 مليار دولار، منخفضاً بأكثر من 30% عن ذروته القياسية البالغة 233 مليار دولار، ما يشير إلى أن التمركز عبر الرافعة المالية المضاربية لم يتعاف بعد.

أما في السوق الفورية، تسارعت وتيرة عمليات فكّ التراكم، إذ تراجع مؤشر الحجم التراكمي (OBV) للبيتكوين إلى أدنى مستوياته منذ أبريل، ما يعكس ضعف قناعة المشترين في السوق الفورية. علاوة على ذلك، وفقاً لبيانات SoSo Value، سجّلت صناديق البيتكوين الفورية تدفقات خارجة صافية بنحو مليار دولار منذ يوم الأربعاء، في إشارة إلى تراجع الطلب المؤسسي الذي كان أحد أهم عوامل صمود الأسعار في الفترات السابقة.

ويعكس هذا النمط الحذر في أسواق العملات المشفّرة ضعفاً أوسع في أسواق الأسهم العالمية. فبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، تراجعت المؤشرات الأمريكية الرئيسية مع قيادة أسهم شركات التكنولوجيا لموجة البيع. حيث انخفض سهم ميتا بنسبة 11.3% وسهم مايكروسوفت بنسبة 2.9% بعد إعلان الشركتين عن خطط لزيادة كبيرة في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، وهو ما اعتبره المستثمرون خطوة غير مستدامة. وقال ديفيد ترينر، الرئيس التنفيذي لشركة New Constructs، في تصريح للصحيفة: “لا يمكن لأي من هذه الشركات مواصلة هذا الإنفاق الضخم على الذكاء الاصطناعي إلى الأبد.”

وفي الوقت نفسه، أثارت تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول حالة جديدة من الغموض بشأن احتمالات التيسير النقدي. فقد أشار باول إلى أن خفض الفائدة في ديسمبر ليس مضموناً، ما دفع عوائد سندات الخزانة الأمريكية إلى الارتفاع وأوقف موجة الصعود في أسواق الأسهم. ووفقاً لأرقام CME FedWatch Tool، تراجعت احتمالية خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر من أكثر من 90% إلى أقل من 70% بعد تصريحاته. وعلى الرغم من أن اجتماع ترامب–شي أسفر عن خفض جزئي للتعريفات الجمركية، فإن تركيز الأسواق ظل على نبرة باول الحذرة التي عززت توقعات بظروف مالية أكثر تشدداً.

وبحسب وول ستريت جورنال، فإن الهدنة التجارية المؤقتة بين الولايات المتحدة والصين لم تغيّر من عمق التوترات الهيكلية بين القوتين الاقتصاديتين. فالتعريفات على السلع الصينية ما تزال مرتفعة تاريخياً رغم بعض التخفيضات، كما تواصل بكين فرض قيود تصدير غير شفافة على المعادن الحيوية. ويستمر التنافس التكنولوجي في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات وسلاسل الإمداد في إبقاء المشهد الجيوسياسي مضطرباً، ما يعني أن حالة عدم اليقين التجاري ستواصل الضغط على الأصول عالية المخاطر مثل البيتكوين.

في مقال رأي لهيئة التحرير في وول ستريت جورنال، اعتُبر أن الهدنة التجارية الأخيرة التي أعلنها الرئيس ترامب لم تحقق سوى توقف مؤقت للضغوط الاقتصادية، ووصفتها بأنها اتفاق سياسي التوقيت وضعيف استراتيجياً، مع مكاسب محدودة للولايات المتحدة. وأكدت الهيئة أن هيمنة الصين على معادن الأرض النادرة وصلابتها في المفاوضات التجارية تركت واشنطن بفرص محدودة. كما أشارت إلى أن النهج الأحادي الذي تبنته الإدارة الأمريكية أضعف موقفها من خلال تهميش الحلفاء الرئيسيين مثل اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، ما أضعف قدرتها على موازنة نفوذ بكين.

بشكل عام، يعكس استقرار البيتكوين الأخير قرب مستوى 109,000 دولار حالة تهدئة فنية أكثر من كونه تحولاً هيكلياً في الاتجاه العام. فاستمرار عمليات التصفية في العقود المستقبلية وتراجع الطلب المؤسسي وتسارع فكّ التراكم في السوق الفورية تُبقي السوق عرضة لموجات بيع جديدة. ويُرجّح أن يعتمد أي تعافٍ أكثر استدامة على تحسّن ظروف السيولة وتأكيد مسار التيسير النقدي وتحقيق تقدّم ملموس في العلاقات التجارية العالمية، وهي جميعها عوامل لا تزال غير مؤكدة حتى الآن.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...