استعرض مركز مناظرات قطر الدور التغييري، والمُتناقض في آنٍ واحد، للمنصات الرقمية في النزاعات العالمية المعاصرة، وذلك خلال ندوة بارزة عُقدت ضمن أعمال الدورة الثامنة لمنتدى باريس للسلام، تحت عنوان: “الإعلام كوسيط أم كمُشعل للنزاع؟ الدور المزدوج لوسائل الإعلام (الرقمية) في حل النزاعات”.
انعقدت الندوة في “متحف الإنسان” و”متحف البحرية”، وجمعت نخبة من الخبراء العالميين لبحث كيف يمكن للإعلام الرقمي، على الرغم من أهميته الحيوية في بناء السلام، أن يغذي في الوقت نفسه بذور الفرقة والاستقطاب.
أدار الندوة أحمد النعيمي، المبعوث الخاص لمركز مناظرات قطر، وتناولت التعقيدات الكامنة في الطبيعة المزدوجة للإعلام الرقمي ودوره المحوري في جهود حل النزاعات على الصعيد العالمي.
وحذّر النعيمي من كون “الإعلام الرقمي أداة فعّالة لبناء السلام، وساحة معركة للتلاعب بالحقائق في الوقت عينه. فمن جهة، تتيح المنصّات، من شبكات التواصل إلى وسائل الإعلام الرقمية، إمكانية كشف الحقائق المخفيّة وتمكين الأصوات المهمّشة وجعل الخفي مرئيًا. وفي المقابل، تُستغل هذه المنصّات لبثّ المعلومات المضلِّلة، وتعزيز التحيز، وقمع حرية التعبير”.

وشدد النعيمي، الذي يُعد خبيراً مُحنّكاً في استراتيجيات السياسات وصاحب خبرة واسعة في العلاقات الدولية، على أن “التحدي يكمن في ضمان أن يكون هذا الإعلام قوةً للحل، وليس للتفرقة”.
واستناداً إلى خبرته في تمثيل دولة قطر في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنتدى الشباب التابع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، والمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، ركّز النعيمي النقاش على الأهمية القصوى للتعاون العالمي لحماية الحقيقة والمساءلة في الفضاء الإلكتروني.
وانصبّت المناقشات على ابتكار آليات تكفل أن يظلّ الإعلام الرقمي قوةً داعمة للسلام وحلّ النزاعات، لا محفّزًا لمزيد من الاستقطاب.
من جهتها، رأت سوسن شبلي، المفوض السابق لبرلين لدى الحكومة الاتحادية ومفوض الشؤون المجتمعية في العاصمة الألمانية، أن الوسائط الرقمية أصبحت اليوم الأداة الأشد تأثيراً في تشكيل السرديات، وتحريك الجماهير، وإثارة التعاطف، ودفع مسارات التغيير. وقالت شبلي: “بالنسبة إلى كثيرين حول العالم، باتت المنصات الرقمية وسيلة للبقاء، وأداة لحفظ القصص الإنسانية حيّة حين يغيب عنها اهتمام العالم”، مضيفة: “غير أن لهذه الحقيقة وجه آخر؛ ففي غزة نرى الوجهين معاً: نرى الإعلام الاجتماعي شريانًا وجوديًا ونبضًا إنسانيًا، وقوة محركة أيقظت الوعي العالمي وحشدت الملايين، لكننا نشهد في الوقت ذاته كيف تُكتم الأصوات، ويُخفَّض تصنيف المحتوى، وتُمارَس عليه ظلال الحجب والتقييد”.
وختمت بالقول: “يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تكون فضاءً للحوار والمصالحة، لكنها أيضًا من تقرّر أيّ الحزن يُرى، وأيّ الألم يتم يتجاهله”.
جاءت الندوة ضمن فعاليات “منتدى باريس للسلام” الأوسع نطاقًا، الذي ركّز في دورته الثامنة على “تحالفات جديدة من أجل السلام، والشعوب، والكوكب”. وسلّط المنتدى، الذي يحتفل بعامه العاشر، الضوء على الضرورة المُلحّة للتعاون متعدّد الأطراف لمعالجة التحديات العالمية، مثل العمل المناخي وبناء السلام الدولي. كما تزامنت مع الذكرى العاشرة لاتفاق باريس، بما يعزّز الالتزام بالعمل العالمي المستدام.
ومن خلال تنظيمه المشترك لهذه الندوة، يجدّد مركز “مناظرات قطر” التزامه بتعزيز الحوار البنّاء والتفكير النقدي وإشراك الشباب في القضايا العالمية. ويقول عبد الرحمن السبيعي، مدير البرامج في المركز إن “مثل هذه الفعاليات تُعلي أصوات الشباب وتفتح أمام قادة الغد فرصًا للتفاعل مع الخبراء، لإيجاد حلول للتحديات الأكثر إلحاحًا”.
وقد أبرزت الجلسة قدرة الإعلام الرقمي على ردم الفجوات، ورفع أصوات الممثَّلين تمثيلًا ناقصًا، ودفع مسارات السلام والاستقرار على مستوى العالم.
من خلال جهوده في التواصل العالمي والدعوة للحوار، يواصل “مناظرات قطر” ريادته في ترسيخ ثقافة النقاش الواعي والبنّاء، بما ينسجم مع الأهداف المحورية لمنتدى باريس للسلام، والمتمثلة في الشمولية والتعاون وإيجاد حلول مستدامة. كما أعادت الندوة التأكيد على رؤية المركز في توظيف الحوار المستنير والإعلام الرقمي لمعالجة القضايا العالمية الملحّة بأسلوب مسؤول وبنّاء.
الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية