بيانات سوق عمل متأخر ولكن مهمة لتوقعات 2026

تحليل الأسواق عن احمد عسيري، استراتيجي الابحاث في  Pepperstone

اتّسمت أسواق الاسهم في شهر ديسمبر بنبرة أقل حماسة مما كان متوقعاً ، خصوصاً في الأسهم الأمريكية ، التي بدت عاجزة حتى الآن عن تكرار الزخم الموسمي والارتفاع الذي طبع معظم فترات العام. هذا الأداء الباهت للأسهم ، عندما يوضع في مقابل الأداء اللافت للسلع ، وعلى رأسها المعادن الثمينة ، بدأ يفرض نفسه بقوة على نقاشات التخطيط الاستثماري وتوزيع الأصول عبر المحافظ متعددة الأصول. الفجوة المتسعة بين أداء الأسهم والسلع ليست صفقة تكتيكية ، بل تحولت إلى عامل مؤثر في قرارات إعادة التمركز الاستراتيجي لرأس المال.

في قلب هذه التحولات ، جاءت بيانات سوق العمل الأمريكي لشهر نوفمبر واكتوبر لتضيف طبقة جديدة من الوضوح ، وربما القلق ، إلى الصورة الكلية. فعلى مستوى العنوان الرئيسي ، أظهرت بيانات الوظائف غير الزراعية إضافة 64  ألف وظيفة خلال نوفمبر ، وهي قراءة أفضل من التوقعات المتحفظة. إلا أن هذا الرقم لا يمكن فصله عن ما سبقه ، إذ كشفت مراجعات أكتوبر عن انكماش حاد في الوظائف بلغ 105 آلاف وظيفة ، وهو تراجع يعود معظمه إلى فقدان الوظائف الحكومية بنحو 175  ألف وظيفة نتيجة الإغلاق الحكومي. عند جمع هذه القراءات ، يتراجع متوسط نمو الوظائف لآخر ثلاثة أشهر إلى نحو 22  ألف وظيفة فقط ، وهو مستوى يعكس تباطؤ ملموس في ديناميكية سوق العمل.

مقاييس الركود غير الظاهر في سوق العمل عززت هذه القراءة. فقد ارتفع معدل البطالة إلى 4.6 %، متجاوز التوقعات ، ومسجلاً أعلى مستوى في الدورة الحالية ، في حين ارتفع معدل المشاركة في سوق العمل بشكل طفيف. الأهم من ذلك هو أن نمو وظائف نوفمبر كان مدفوع تقريباً بالكامل بقطاع الرعاية الصحية الذي أضاف نحو 65  ألف وظيفة ، ما يعني أن بقية القطاعات بالكاد سجلت توسع يُذكر. هذا التركز القطاعي يضعف من جودة النمو، ويشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي لم يعد يخلق وظائف بشكل متوازن عبر مختلف الأنشطة الإنتاجية.

هذه الصورة تأتي رغم أن الاحتياطي الفيدرالي كان قد خفّض أسعار الفائدة بنحو 200  نقطة أساس في محاولة لامتصاص تباطؤ سوق العمل ودعم النشاط الاقتصادي في العام الحالي والماضي. ومع ذلك ، تشير البيانات إلى أن هذه الجهود لم تمنع ارتفاع البطالة وتراجع الزخم ، ما يدفع الأسواق إلى إعادة تسعير مسار أكثر تحفظ واستمرارية لمعدلات البطالة خلال المرحلة المقبلة. بعبارة أخرى ، المخاطر لم تختفِ ، بل تغير شكلها وتستمر معنا.

ردة فعل الأسواق عكست هذا الإدراك. عوائد سندات الخزانة الأمريكية سجلت تراجع طفيف ، الدولار الأمريكي هبط إلى أدنى مستوياته اليومية دون مستوى  98 ، بينما حققت الأسهم مكاسب محدودة وفي نطاق ضيق ولكن اغلقت متراجعة في نهاية الجلسة ، في حركة توحي بأن المستثمرين باتوا أقل استعداداً للمجازفة ولو ان قناعة اخبار سئية تعني اخبار جيدة للتقييمات لا يزال حاضر في المشهد. في سوق المقايضات ، لم تشهد توقعات الفائدة تحولات حادة ، حيث لا تزال الأسواق ترى احتمال يقارب واحد من كل أربعة لخفض الفائدة في يناير.

هنا يبدأ التحول الأوسع عبر الأصول. مع تراجع زخم الأسهم ، وازدياد عدم تماثل المخاطر الكلية ، أصبحت نقاشات بناء المحافظ الاستثمارية تتركز بشكل متزايد حول ما إذا كانت المعادن الثمينة تستحق وزن هيكلي أكبر ، وليس مجرد تخصيص تكتيكي. الأداء القوي للذهب والفضة ، وبلوغ مستويات تاريخية أو إعادة اختبار قمم شوهدت آخر مرة في 2011 خلال أزمة الديون السيادية الأوروبية ، يعيد دور المعادن كأداة استثمار وتنويع في بيئات تتسم بارتفاع عدم اليقين ، وضغوط النمو، ومخاطر التقييم المرتفعة في الأصول الخطرة.

الرسالة من الأرقام الأخيرة واضحة تشير الى ان سوق العمل الأضعف يهدد الاستهلاك ، وضعف الاستهلاك يضغط على أرباح الشركات ، وكل ذلك يحدث في وقت تبدو فيه تقييمات الأسهم ، خصوصاً في السوق الأمريكية ، مشدودة إلى مستويات تترك هامش خطأ ضيق للغاية. بعد سنة من تسعير شبه مثالي للنمو ، يبدو أن السوق يقترب من سقف للتفاؤل مع الدخول في 2026 ، حيث تصبح المفاجأت السلبية في البيانات أكثر تأثيرعلى التسعير.

في هذا السياق ، اصبح من الصعب على وول ستريت الاستمرار في الاعتماد الأعمى على إطار 60/40  التقليدي. المعادن تفرض نفسها في ضمن النقاشات الجوهرية لتوزيع الأصول ، ليس فقط كتحوط قصير الأجل او تكتيكي ، بل كعنصر أساسي في إعادة التفكير بمفهوم التنويع في هذه المرحلة من الدورة الاقتصادية.

من وجهة نظر استشرافية ، تميل الكفة نحو عام آخر قوي للمعادن ، مقابل أداء أقل زخم للأسهم. مستويات قريبة من 7,000  نقطة على مؤشر الأسهم الأمريكية الواسع تبدو منطقية خلال الربع الأول ، في ظل انتظار المستثمرين لتكوين رؤية أوضح حول مسار الإنفاق الاستهلاكي وآفاق نمو الأرباح. هذه المستويات قد تكون مناسبة للتقييمات الحالية ، لكنها لا تقترب من العوائد الاستثنائية التي شهدها السوق في 2024 أو 2025.

الخلاصة أن تقرير الوظائف الأخير لم يكن مجرد قراءة شهرية بل قراءة متراكمة للفترة الماضية وجزء من سردية أكبر تشكل خريطة تدفقات رأس المال. تباطؤ منظم في سوق العمل ، تراجع في زخم الأسهم الموسمي، وصعود مستمر للمعادن الثمينة ، كلها عناصر تشير إلى أن المرحلة المقبلة قد ستكون أقل سخاء للأصول الخطرة ، وأكثر انتقائية في الفرص ، وأكثر حساسية لإدارة المخاطر عبر الأصول.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كركي: مضاعفة البدل المالي المقطوع للمؤسسات المتعاقدة مع الضمان

في إطار سعيه المستمر إلى تطوير نظام التقديمات الصحية وتعزيز استدامة التغطية الطبية للمضمونين، يستجيب ...

لبنان رائد في الجراحة الروبوتية: د. أنطوان معلوف يفتح آفاق تعاون طبي جديدة من الرياض

شارك رئيس مركز IRCAD لبنان الدكتور أنطوان معلوف في القمة السنوية للجراحة الروبوتية التي انعقدت ...

توقعات النفط الخام (Crude OIL – WTI) : كيف تعيد قرارات دونالد ترامب بشأن حصار فنزويلا تشكيل توقعات الأسعار عالميًا؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال ...