كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
في ضوء التحركات الأخيرة لأسعار الغاز الطبيعي نحو 4.017 دولار، أرى أن ما يشهده السوق حاليًا لا يمكن وصفه بتحول جوهري في الاتجاه بقدر ما هو إعادة تموضع قصيرة الأجل فرضتها تحركات فنية ونفسية، أكثر من كونها انعكاسًا حقيقيًا في أساسيات العرض والطلب. والارتداد الذي سجلته الأسعار من أدنى مستوياتها في سبعة أسابيع جاء بعد موجة بيع حادة، وهو سلوك معتاد في أسواق السلع عندما تصل المراكز البيعية إلى مستويات مزدحمة تدفع المتداولين إلى تغطية مراكزهم لجني الأرباح، دون أن يعني ذلك بالضرورة تغيرًا في القناعة الأساسية تجاه السوق.
كما، لاتزال الصورة العامة تميل إلى السلبية في السوق الأمريكية. الطقس، وهو المحرك الأول لطلب الغاز في فصل الشتاء، لم يقدم حتى الآن الدعم الذي يحتاجه السوق لبناء اتجاه صاعد مستدام. والتوقعات السائدة تشير إلى درجات حرارة أعلى من المعدلات الموسمية في معظم مناطق الاستهلاك الرئيسية حتى نهاية ديسمبر، وهذا العامل تم تسعيره بالفعل بقوة خلال الأسابيع الماضية، وهو ما يفسر الهبوط السريع من مستويات تجاوزت 5 دولارات إلى ما دون 4 دولارات. ومع أن السوق عادة ما يستبق الطقس بنحو أسبوعين، إلا أن غياب إشارات واضحة على موجة برد قوية في مطلع يناير يجعل أي ارتفاع حالي هشًا وقابلًا للانعكاس سريعًا.
وفي المقابل، يبقى جانب العرض ضاغطًا بشكل واضح. إنتاج الغاز الجاف في الولايات المتحدة يواصل التحرك قرب مستويات قياسية، مدعومًا بكفاءة تشغيلية عالية واستقرار نسبي في الحقول الرئيسية. وهذا الفائض الإنتاجي حافظ على مستويات التخزين أعلى من متوسط خمس سنوات، رغم السحوبات الموسمية الأخيرة. ومن وجهة نظري، هذه النقطة بالذات تقلل من علاوة المخاطر الشتوية التي يعتمد عليها المضاربون عادة لدفع الأسعار صعودًا في هذا الوقت من العام. وطالما بقيت المخزونات مريحة نسبيًا، فإن السوق سيظل متشككًا في أي صعود لا تدعمه صدمة طلب حقيقية.
لكن تجاهل دور الغاز الطبيعي المسال سيكون خطأ تحليليًا. صادرات الغاز الأمريكي أصبحت عنصرًا هيكليًا في معادلة التسعير، وليست مجرد عامل ثانوي. والتدفقات القياسية إلى محطات التسييل توفر حدًا أدنى سعريًا لسوق هنري هاب مقارنة بما كان عليه الوضع قبل سنوات، حين كان الفائض المحلي يضغط على الأسعار بلا قيد. ومع ذلك، فإن هذا الدعم يظل مشروطًا باستمرارية التشغيل الكامل للمحطات. أي انقطاع، مثل ما يحدث في فريبورت، ينعكس فورًا بشكل سلبي على الأسعار الأمريكية، لأنه يعيد جزءًا من الفائض إلى السوق المحلية في وقت لا يقدم فيه الطقس دعمًا كافيًا للطلب.
وعلى المستوى العالمي، نعيش ما يمكن وصفه بسوق غاز بثلاث سرعات. في الولايات المتحدة، يدور السعر حول 4 دولارات في حالة توازن غير مريح بين عرض قوي وطلب موسمي ضعيف. وفي أوروبا، تبدو الأسعار منخفضة تاريخيًا، لكنها شديدة الحساسية لأي تغيير في الطقس أو الإمدادات، خاصة مع مستويات تخزين أقل من العام الماضي. أما في آسيا، فإن استقرار مؤشر JKM قرب 10 دولارات يشكل صمام أمان للسوق العالمية، لأنه يحد من اندفاع الشحنات ويمنع تشكل فقاعة سعرية مفاجئة. هذا التوازن الثلاثي، في رأيي، هو ما يمنع حدوث موجة صعود عالمية متزامنة في الوقت الراهن.
لذا أعتقد أن السوق الأمريكي لا يزال يعمل وفق منطق “بيع الارتفاعات”. وأي صعود غير مدعوم بموجة برد واضحة أو تراجع ملموس في الإنتاج سيُقابل بعمليات بيع، سواء من منتجين يسعون للتحوط أو من مضاربين يرون أن الأساسيات لا تبرر مستويات أعلى. في المقابل، لا أتوقع انهيارًا حادًا جديدًا ما لم نشهد استمرار الطقس الدافئ لفترة أطول من المتوقع، لأن صادرات الغاز الطبيعي المسال والطلب الصناعي يفرضان نوعًا من الأرضية السعرية.
توقعي للمدى القريب أن يبقى الغاز الطبيعي الأمريكي في نطاق متذبذب يميل إلى الهبوط الطفيف، مع احتمالات ارتدادات فنية محدودة سرعان ما تُقابل بالبيع. أما على المدى المتوسط، فإن أي تغير حقيقي في الاتجاه الصعودي سيحتاج إلى عامل واحد واضح: شتاء أبرد من المتوقع أو اضطراب مؤثر في الإمدادات، سواء محليًا أو عالميًا. إلى أن يتحقق أحد هذين الشرطين، أرى أن الحذر هو العنوان الأبرز، وأن التعامل مع الارتفاعات باعتبارها فرصًا لإعادة التقييم وليس لملاحقة الاتجاه يظل الاستراتيجية الأكثر عقلانية في سوق تحكمه الأساسيات أكثر مما تحركه العواطف.
الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية