وول ستريت بين ضغوط العوائد وفرص النمو: قراءة تحليلية في مستقبل مؤشر S&P 500 والأسواق الأمريكية

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

شهد مؤشر S&P500خلال الأيام القليلة الماضية حالة من التماسك اللافت بعد أن فقد مكاسب قفزته التي جاءت بدعم من نتائج شركةNvidia، مما يعكس حجم التذبذب الذي يمر به السوق الأميركي في بيئة تتداخل فيها العوامل التقنية والسياسية والاقتصادية بشكل معقد. فالدعم الذي وجده المؤشر عند مستوى 5,895 ثم تجاوزه نحو 5,915 في جلسة واحدة، يعكس تحركات واضحة للشراء عند الانخفاضات، خاصة من قبل المستثمرين الأفراد، مما يُبقي الاتجاه الصاعد قائماً على الرغم من مؤشرات ضعف فني مؤقت.

كما أرى أن الأسواق أصبحت أكثر انتقائية واستيعابًا للأخبار، حتى تلك التي تحمل طابعاً سلبياً مثل التوترات التجارية أو التعريفات الجمركية، وهو ما بدا واضحًا من رد فعل السوق الهادئ نسبيًا بعد تصريحات لوتنيك وإعلان تعريفات جديدة على الصلب والألومنيوم.

وهذا التماسك في أداء السوق لا يعني بالضرورة وجود ثقة كاملة، بل هو انعكاس لنوع جديد من “الاستقرار المشروط”، حيث يقوم المستثمرون بالشراء الانتقائي وسط تقلبات ناتجة عن المضاربات الفنية والمعنويات المتقلبة. ومن الملاحظ أن الإشارات الاقتصادية الحقيقية، مثل الإنفاق الاستهلاكي أو نمو الإنتاجية، لم تعد وحدها المحرك الرئيس لاتجاهات السوق، بل بات التفاعل اللحظي مع بيانات الأرباح، والتحركات التقنية، وحتى الخطاب السياسي، يشكل عمودًا فقريًا لحركة المؤشر.

أما بالنسبة لعوائد السندات، فالمشهد يبدو لي أكثر حساسية وتقلبًا، حيث ارتفعت عوائد السندات السيادية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان خلال الأسبوع الأخير، مما أدى إلى اضطرابات في مزادات الدين كما رأينا مع سندات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من ذلك، لم يُحدث هذا الارتفاع تأثيرًا جذريًا على أسعار الأسهم، وهو ما يعزز وجهة النظر بأن السوق بدأ يتكيّف مع فكرة “العوائد المرتفعة لفترة أطول”، خاصةً في ظل ثبات البنك الفيدرالي على نهجه المتشدد. لذا، فإن هذا الارتفاع في العوائد، لا سيما في شريحة الثلاثين عامًا، قد يُشكّل خطراً حقيقياً إذا ما تزامن مع تباطؤ في بيانات النمو أو تدهور في توقعات الأرباح.

وبالنسبة لي السيناريو الأخطر، هو حدوث ما يسمى بـ”نوبة غضب” في سوق السندات، حيث تشهد الأسواق موجة بيع مفاجئة وشديدة بسبب تغيّر مفاجئ في توقعات أسعار الفائدة، أو نتيجة لمزادات ديون غير ناجحة كما حدث مؤخرًا. في هذه الحالة، سيكون الضغط الأكبر على أسهم النمو والزخم، التي قادت الصعود الأخير، مما قد يؤدي إلى تصحيح حاد في المؤشرات، مع ارتفاع كبير في مستويات التقلب(VIX)، وهنا يصعب التعافي منه مقارنةً بأزمات تجارية أو جيوسياسية.

ومن ناحية الأرباح، فرغم التعديلات السلبية على توقعات أرباح شركاتS&P 500 للربع الثاني، أعتقد أن السوق قد يكون قد أخذ هذه التخفيضات في الحسبان بالفعل. نعم، تم تخفيض التوقعات بشكل ملموس، ولكن البيانات الفعلية في الربع الأول أظهرت مرونة لافتة، حيث فاقت الأرباح والمبيعات التقديرات في العديد من القطاعات. هنا تكمن المفارقة: التوقعات السلبية المفرطة قد تمهّد الطريق لمفاجآت إيجابية عندما تبدأ الشركات بالإفصاح عن نتائجها خلال الأسابيع القادمة، مما يُعزز من احتمالية استمرار الزخم الصاعد إذا لم تحدث صدمة من جانب السياسة النقدية أو سوق السندات.

لذا من الضروري أيضًا عدم التقليل من دور المستثمرين الأفراد، الذين شكلوا خط دفاع قوي خلال موجة بيع أبريل. استمرار دخولهم في السوق، حتى وسط التحذيرات بشأن ركود محتمل أو صدمة في السندات، وهذا يعكس تغيّرًا في بنية السوق. هؤلاء المستثمرون، رغم محدودية رؤوس أموالهم مقارنة بالمؤسسات، إلا أنهم يُسهمون في صناعة قيعان سعرية حادة، ويُفعّلون استراتيجيات شراء عند التراجع(buy the dip) بطريقة تقلل من عمق التصحيحات.

أيضاً نقطة أخرى أود التأكيد عليها هي الفجوة التي بدأت تضيق بين الأداء الأوروبي والأمريكي خلال الشهر الماضي. بعد أن تفوّقت الأسواق الأوروبية بشكل واضح منذ بداية 2025، عاد مؤشر S&P500وناسداك لتعويض الفارق بشكل ملحوظ. وأرى أن استمرار هذا الاتجاه سيكون مرهونًا بمدى تماسك النمو الاقتصادي الأميركي، واستقرار عوائد السندات، وغياب صدمات مفاجئة في السياسة التجارية أو النقدية. وفي الوقت نفسه، قد تشهد الأسواق الأوروبية بعض التباطؤ في الأداء خلال النصف الثاني من العام إذا بدأت سياسات البنك المركزي الأوروبي في التشدّد أو تباطأت وتيرة الانتعاش الصناعي الألماني، مما يعيد توجيه تدفقات رؤوس الأموال نحو السوق الأميركية.

وختامًا، أرى أن وول ستريت، رغم تقلباتها المتزايدة، تبقى في مرحلة تعافٍ أكثر من كونها في خطر مباشر. لكن هذا التعافي محفوف بشروط كثيرة، أبرزها: عدم حدوث اضطرابات مفاجئة في سوق السندات، وتماسك بيانات الأرباح، واستمرار المستثمرين الأفراد في دعم الزخم. لذلك، فإن الشراء في الانخفاضات يبقى استراتيجية مقبولة ولكن مع ضرورة إدارة المخاطر بعناية شديدة، خاصةً مع اقتراب النصف الثاني من العام والذي قد يحمل تقلبات أكبر على ضوء الانتخابات الأميركية المقبلة، وتطورات السياسة النقدية.

التحليل الفني لـ ستاندرد اند بورز 500 ( S&P500 ):

يعكس الرسم البياني لمؤشر US500 (S&P 500)على الإطار الزمني لأربع ساعات نموذجًا فنيًا كلاسيكيًا من نوع ABCDالتصحيحي الصاعد، والذي بلغ ذروته عند النقطة Dبالقرب من مستوى 6000 نقطة قبل أن يظهر المؤشر إشارات ضعف واضحة حول هذا المستوى النفسي. ويعزز ذلك احتمالية دخول السوق في مرحلة تصحيح متوسط الأجل، خصوصًا بعد كسر المؤشر دعم القناة الصاعدة بالتزامن مع فشل في تسجيل قمم جديدة أعلى من النقطة D. ويشير هذا إلى أن الزخم الإيجابي بدأ بالتراجع، كما تؤكده مؤشرات التذبذب، والتي تظهر انفصالًا سلبيًا (bearish divergence) مقارنةً بحركة السعر.

Image

ومن خلال استخدام أدوات فيبوناتشي الممتدة بين قاع الحركة عند النقطةA وقمتها عند النقطةD، نلاحظ أن المؤشر كسر أول مستويات الدعم عند نسبة 0.236 عند 5764 نقطة، وهو ما يدعم هبوط محتمل باتجاه مستوى 0.382 عند 5600 نقطة، والذي يُعد محوريًا لتحديد ما إذا كانت الحركة الحالية تصحيحًا مؤقتًا أم بداية لاتجاه هابط أوسع. والسيناريو البديل يفترض إعادة اختبار النطاق بين 5910 – 5950 نقطة، والذي أصبح الآن منطقة مقاومة محورية، وفي حال فشل المؤشر في اختراقه، فإن التوقعات ستبقى مائلة نحو مزيد من التراجع.

أما على صعيد مؤشرات الزخم، فنلاحظ أن مؤشر ستوكاستيك بدأ في الهبوط مجددًا بعد اقترابه من مناطق الوسط، مما يدعم السيناريو السلبي على المدى القصير. والتكوين الفني الحالي يشير إلى أن السوق قد يشهد حركة تذبذب عرضية بين مستويي 5760 و5600 قبل اتخاذ اتجاه واضح، حيث أن كسر مستوى 5600 بثبات قد يدفع المؤشر نحو مستويات تصحيح أعمق بالقرب من 5400 أو حتى 5200 نقطة، بينما اختراق 5950 صعودًا سيكون بمثابة إعادة تفعيل للمسار الصاعد واستهداف قمم جديدة.

مستويات الدعم: 5764 – 5600 – 5400

مستويات المقاومة: 5912 – 5950 – 6000

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...