الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية
كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
يتحرك سعر الذهب حاليًا ضمن نطاق بالغ الحساسية، متأثرًا بجملة من العوامل المتداخلة التي تعكس التوترات الجيوسياسية والمخاوف الاقتصادية، مما يجعله مرشحًا لحركة سعرية كبيرة خلال الأيام المقبلة. حيث شهد المعدن الثمين بداية أسبوع نشطة عندما ارتفع إلى أعلى مستوى له في ثلاثة أسابيع عند 3,374 دولارًا صباح اليوم الإثنين، مدعومًا بموجة من المخاوف المتعلقة بتوسّع الحرب التجارية بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ولكن سرعان ما فشل المشترون في الحفاظ على هذه المكاسب، ليعود الذهب ويتعرض لضغوط بيع متجددة، مما يطرح تساؤلات ملحة حول الاتجاه القادم للسعر وسط هذا المشهد المعقّد.
لذا أرى أن تحركات الذهب الأخيرة ليست إلا مقدمة لمزيد من التقلبات التي ستتأجج مع اقتراب صدور بيانات التضخم الأمريكية المرتقبة. والسوق حاليًا حساس للغاية تجاه أي تطور سياسي أو اقتصادي، لا سيما تلك المرتبطة بالولايات المتحدة والصين وأوروبا، في ظل تشابك الملفات التجارية والعسكرية. كما أن إعلان ترامب عن احتمال فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات من الاتحاد الأوروبي والمكسيك، إضافة إلى إرساله رسائل تعريفة جمركية إلى نحو 20 دولة، أطلق موجة من الذعر دفعت المستثمرين نحو الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب.
ولكن رغم هذا الاندفاع الأولي، فإن الأسواق أظهرت قدرة واضحة على التكيّف مع الصدمة السياسية. فعندما أعلنت أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي سيؤجل اتخاذ إجراءات انتقامية حتى مطلع أغسطس، عاد الهدوء النسبي للأسواق، مما خفف من زخم الصعود في أسعار الذهب. وهذا الانحسار في التصعيد الفوري أعاد الثقة إلى الدولار الأمريكي، وسمح له باستعادة بعض مكاسبه، وهو ما كان كافيًا لدفع الذهب على التراجع من أعلى مستوياته.
لكن التطور الأهم الآن هو اقتراب صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي، والتي ستكون بمثابة محرك حقيقي للذهب. فالتضخم هو العامل الأساسي الذي يحدد توجهات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وبالتالي فهو يؤثر مباشرة في توجهات الأسواق نحو الأصول الآمنة أو عالية المخاطر. فإذا جاءت البيانات أعلى من المتوقع، فقد تتراجع رهانات السوق على خفض الفائدة في سبتمبر، مما يعزز من قوة الدولار ويزيد الضغوط على الذهب. أما إذا جاءت ضعيفة، فإنها ستدعم سيناريو خفض الفائدة، وهو ما سيكون إيجابيًا للذهب بشكل كبير.
ومن وجهة نظري، من المهم ملاحظة أن الأسواق تسعّر حاليًا خفضًا محتملًا للفائدة بمقدار 50 نقطة أساس بحلول نهاية العام، واحتمالًا بنسبة 60% بأن يتم أول خفض في سبتمبر، وبالتالي، فإن أي مفاجأة في بيانات التضخم قد تعيد تسعير هذه التوقعات بالكامل، وهو ما يجعل تداولات الذهب في الأيام القادمة رهينة لهذه البيانات.
كمل إن الذهب يختبر حاليًا مستوى مقاومة قوي عند فيبوناتشي 23.6% عند 3,377 دولار، وهو مستوى مفصلي في طريق الصعود نحو المقاومة الأعلى عند 3,499 دولار(H1) وفي حال فشل السعر في اختراق هذا المستوى، فربما نشهد تراجعًا سريعًا نحو مستويات الدعم عند 3,300 دولار(S1) وحتى 3,250 دولار(S2) لكن أي اختراق ناجح لهذا المستوى، بدعم من بيانات اقتصادية سلبية أو توترات سياسية جديدة، قد يدعم حركة صعود قوية نحو 3,500 دولار.
ولا يمكن إغفال البعد الجيوسياسي اليوم. فإعلان زعيم كوريا الشمالية عن دعم غير مشروط للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتصريحات ترامب حول إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف، كلّها إشارات إلى أن التصعيد العسكري قد يعود إلى الواجهة في أي لحظة. كما أن الأخبار المتداولة حول احتمالية استقالة جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وإن كانت غير مؤكدة بعد، فهي تعزز حالة عدم اليقين، وتدفع المستثمرين لمزيد من التحوّط.
ومن ناحية السيولة العالمية وسلوك البنوك المركزية، فإن الاتجاه العام ما زال داعمًا للذهب. فتزايد مشتريات البنوك المركزية من المعدن الأصفر خلال العامين الماضيين يشير إلى فقدان الثقة النسبي في النظام النقدي القائم، والبحث عن أصول تحفظ القيمة على المدى الطويل. وهذه العوامل، إلى جانب الضعف المحتمل في الدولار في حال عاد سيناريو خفض الفائدة بقوة، تجعل الذهب في وضع استراتيجي جيد على المدى المتوسط إلى الطويل.
وفي الختام، أرى أن الذهب يمر حاليًا بمرحلة مفصلية. والاتجاه الصعودي لا يزال قائمًا على المدى المتوسط، لكن في الأجل القصير، فإن مصير هذا الاتجاه سيتوقف إلى حد بعيد على بيانات التضخم الأمريكية هذا الأسبوع، وكذلك على أي تطور غير متوقع في الجبهة الجيوسياسية. لذا أعتقد أنه لابد من التعامل مع الذهب بحذر تكتيكي، والاعتماد على إشارات فنية قوية مدعومة بأخبار مؤكدة قبل اتخاذ قرارات استثمارية جديدة.
التحليل الفني لـ الذهب ( XAUUSD ):
يُظهر الرسم البياني اليومي لسعر الذهب (XAU/USD) تشكّل نموذج فني معقّد يتقاطع فيه التحليل الكلاسيكي مع مؤشرات الزخم. فقد فشل السعر في تجاوز مستوى تصحيح فيبوناتشي 23.6% عند 3,377 دولار، وهو مستوى مستمد من موجة الصعود التاريخية في أبريل، مما أدى إلى كسر سلسلة التعافي التي استمرت ثلاثة أيام متتالية. والرفض الواضح أسفل هذا الحاجز الفني يشير إلى وجود مقاومة قوية في هذه المنطقة، ويتزامن مع تشكّل قمة “C” ضمن نموذج محتمل مشابه لـ”الوتد الصاعد” أو نموذج استمراري للسعر ، مما يضيف حالة من الحذر إلى النظرة الصعودية على المدى القصير.
 |
ورغم التراجع الأخير، يبقى مؤشر القوة النسبيةRSI داعمًا للثيران نسبيًا، إذ يظل فوق مستوى 50، مما يشير إلى أن الزخم الإيجابي لم ينتهِ بعد، ولكن من غير المرجح أن يستأنف السعر صعوده ما لم يخترق بإغلاق يومي واضح فوق مستوى 3,377 دولار. وفي حال تحقق هذا السيناريو الإيجابي، قد نشهد انطلاق حركة صعود جديدة تستهدف أولاً مستوى 3,400 دولار، يليه المستوى الفني الأقوى عند 3,440 دولار، والذي يلتقي مع خط المقاومة العلوي للنطاق الجانبي الظاهر في الرسم البياني اليومي.
أما في سيناريو الهبوط، فإن التراجع الحالي قد يمتد نحو الدعم الأولي عند المتوسط المتحرك البسيط لـ 21 يومًا (3,341 دولار)، يليه المستوى الأهم عند المتوسط المتحرك لـ 50 يومًا (3,326 دولار). وكسر هذا الأخير سيدعم توجه السعر نحو الدعم التالي عند مستوى فيبوناتشي 38.2% عند 3,297 دولار، وهو ما سيعزز الزخم البيعي ويفتح المجال أمام إعادة اختبار مستويات 3,250 وحتى 3,120 دولار. وهذه المنطقة الأخيرة تمثل الحد السفلي لنطاق التداول العرضي الحالي، وكسرها قد يغير من الاتجاه العام للسوق.
