زوج الدولار/الين بين قيود الفيدرالي وتقلبات السياسة: إلى أين يتجه فوق مستوى 147,50؟

كُتب بواسطة: رانيا جول، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

في جلسة اليوم الأربعاء الآسيوية، بدا زوج الدولار الأمريكي/الين الياباني وكأنه يستعيد بعضًا من زخمه المفقود بعد تراجعات الأمس، إذ ارتفع نحو مستوى 147.90. غير أن هذا الصعود، رغم أهميته من الناحية الفنية، يظل محاطًا بالشكوك والتساؤلات حول مدى استمراريته، في ظل حالة الارتباك التي يعيشها الدولار الأمريكي بعد القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإقالة ليزا كوك من مجلس الاحتياطي الفيدرالي. حيث إن هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ المؤسسة الفيدرالية العريقة الممتد أكثر من قرن تعكس، في تقديري، خطرًا مباشرًا على مصداقية البنك المركزي الأمريكي واستقلاليته، وهو ما يُفقد المستثمرين واحدًا من أهم مرتكزات الثقة في السياسات النقدية الأمريكية.

فإقالة كوك ليست مجرد حدث إداري عابر، بل هي رسالة سياسية تحمل في طياتها محاولة واضحة من البيت الأبيض للهيمنة على قرارات الاحتياطي الفيدرالي. فبغياب كوك، يصبح المجال مهيأً أمام ترامب لتعزيز نفوذه داخل المجلس من خلال ترشيحات مثل ستيفن ميران أو حتى ديفيد مالباس. وهذه الأسماء ليست بعيدة عن الخطاب السياسي والإيديولوجي للرئيس الأمريكي، مما يفتح الباب أمام تحوّل البنك المركزي من مؤسسة مستقلة إلى أداة ضمن الصراعات السياسية الداخلية. ومن وجهة نظري، فإن هذا التطور قد يدفع المستثمرين الدوليين لإعادة تقييم علاقتهم بالدولار، ليس فقط كعملة احتياطية، بل كأصل يُفترض أن يستند إلى قرارات نقدية عقلانية بعيدة عن التدخلات السياسية.

وعلى الجانب الآخر، نجد أن الين الياباني قد يستفيد من هذه الفوضى الأمريكية، ليس فقط لأنه يُعد ملاذًا آمنًا في أوقات الاضطراب، بل أيضًا نتيجة التحولات السياسية الداخلية في اليابان. فاستطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت ارتفاعًا ملحوظًا في شعبية رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا رغم خسارة حزبه الأغلبية في البرلمان. وهذا التعافي في الشعبية يمنح الحكومة قدرًا من الاستقرار السياسي، وهو عامل يعزز ثقة المستثمرين بالين ويجعله في موقع قوة نسبيًا مقارنة بالدولار. وبرأيي، فإن هذه المعطيات السياسية تعطي الين دعمًا مزدوجًا: داخليًا عبر الاستقرار السياسي، وخارجيًا عبر ضعف الثقة في الدولار.

أما الملف التجاري بين واشنطن وطوكيو فيضيف طبقة أخرى من التعقيد على المشهد. حيث أن عودة كبير المفاوضين اليابانيين أكازاوا إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع لإجراء محادثات استثمارية تفتح المجال لاحتمالات متباينة. فإذا سارت المحادثات في اتجاه تعزيز الاستثمارات المتبادلة، فقد يكتسب الين دفعة إضافية من الثقة، خاصة مع ربطه ببيئة استثمارية أكثر استقرارًا. أما إذا تعثرت المفاوضات أو تم تحميلها برسوم وقيود جديدة، فقد نشهد موجة من التذبذبات الحادة في تحركات الزوج، مع بقاء الدولار في موقع أضعف.

لكن لا يمكن قراءة المشهد من زاوية سياسية وتجارية فقط، فالعامل الاقتصادي – وبالتحديد التضخم – يلوح في الأفق بقوة. فالأسواق العالمية تترقب بيانات مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأمريكي(PCE) هذه الجمعة، وهو المقياس المفضل للاحتياطي الفيدرالي لتحديد مسار سياسته النقدية. في ظل التوقعات الواسعة بخفض أسعار الفائدة في سبتمبر، فإن أي ارتفاع غير متوقع في التضخم قد ينسف هذه الآمال بسرعة، ويفرض على الفيدرالي التريث. وبرأيي، هذا الاحتمال هو ما يضع سقفًا واضحًا على ارتفاع الدولار الحالي، لأن الأسواق باتت تتعامل بحذر شديد مع أي إشارات تمس بمسار السياسة النقدية.

وفي اليابان، الصورة لا تقل تعقيدًا. فبيانات مؤشر أسعار المستهلك في طوكيو المرتقبة يوم الخميس ستعطي انطباعًا مبكرًا عن اتجاهات التضخم المحلي. والتوقعات بانخفاض المعدل الأساسي إلى 2.5% تشير إلى أن التضخم في اليابان يفقد زخمه تدريجيًا، وهو ما يضع بنك اليابان أمام معضلة. فمن جهة، يتعين عليه الحفاظ على سياسة نقدية داعمة لتجنب هبوط التضخم إلى مستويات أقل من هدفه البالغ 2%، ومن جهة أخرى يجد نفسه مضطرًا إلى مراقبة تحركات الفيدرالي الأمريكي، لأن أي تباين شديد في أسعار الفائدة قد يضغط على الين عبر قنوات التدفقات الرأسمالية. ومن وجهة نظري، فإن بنك اليابان سيواصل هذا النهج الحذر، مما يمنح الأسواق رسالة بأن أي رفع جديد للفائدة سيكون بطيئًا ومشروطًا ببيانات التضخم المقبلة.

وإذا جمعنا هذه العوامل معًا، يتضح أن زوج الدولار/الين يقف عند مفترق طرق دقيق. فالدولار مُثقل بمخاطر سياسية داخلية غير مسبوقة، ومعرض لمفاجآت التضخم التي قد تعرقل مسار التيسير النقدي. وفي المقابل، الين يستفيد من استقرار سياسي نسبي داخلي ومن صورته كملاذ آمن، لكنه يعاني من تضخم متباطئ قد يحد من قدرة بنك اليابان على اتخاذ خطوات أكثر تشددًا. والتوازن بين هذه القوى يجعل أي اختراق قوي لمستوى 148.50 نحو الأعلى أمرًا صعبًا في الأجل القريب، بينما يظل السيناريو الأكثر ترجيحًا هو بقاء الزوج ضمن نطاق عرضي مع ميل هابط إذا استمرت المخاطر المحيطة بالدولار في التفاقم.

وبرأيي، فإن أهم ما يجب مراقبته خلال الأيام المقبلة ليس فقط بيانات التضخم الأمريكية واليابانية، بل أيضًا مدى استعداد الأسواق لاستيعاب التدخل السياسي في قرارات الفيدرالي. فإذا فقد المستثمرون الثقة في استقلالية المؤسسة النقدية الأهم في العالم، فإن تداعيات ذلك قد تتجاوز مجرد سعر صرف الدولار/الين لتطال كل الأصول المالية المقومة بالدولار. وبالنسبة للمستثمرين الباحثين عن استراتيجيات تحوط، فإن الين سيظل خيارًا منطقيًا، لا سيما إذا تزامنت عوامل الملاذ الآمن مع ضعف هيكلي في الدولار ناتج عن تدخلات سياسية غير محسوبة.

وبهذا المعنى، فإن الأحداث الجارية ليست مجرد أخبار يومية في أسواق العملات، بل هي مؤشر على تحولات أعمق في طبيعة العلاقة بين السياسة والاقتصاد النقدي العالمي. وإذا كان التاريخ يعلمنا شيئًا، فهو أن فقدان الثقة في استقلالية البنوك المركزية غالبًا ما يترك آثارًا طويلة المدى على استقرار العملات. لذلك، أرى أن الأسواق، رغم تقلباتها الحالية، بدأت بالفعل في تسعير حقبة جديدة عنوانها الرئيسي هو هشاشة الدولار أمام التحديات السياسية الداخلية، في مقابل عملات مثل الين التي قد تعود لتلعب دورًا محوريًا في موازين القوى النقدية العالمية.

التحليل الفني لـ الدولار/ الين (USDJPY ):

يُظهر الرسم البياني لزوج الدولار الأمريكي/الين الياباني على إطار الأربع ساعات استمرار التداول في نطاق عرضي بالقرب من مستوى 147.90، مع محاولات فاشلة لاختراق منطقة “Golden Zone” بين 148.50 و149.00. وهذه المنطقة تمثل حاجز مقاومة قوي من الناحية الفنية، حيث يتلاقى معها تصحيح فيبوناتشي 0.5 – 0.66، مما يجعل أي صعود إضافي مشروطًا باختراق واضح وثبات سعري أعلى منها.

USDJPY 27.08.2025

ومن جانب آخر، نلاحظ أن الزوج يتحرك فوق المتوسط المتحرك الرئيسي، مما يشير إلى أن الاتجاه العام لا يزال يحافظ على قدر من الزخم الصاعد، لكن ضعف الزخم الظاهر في مؤشر الاستوكاستيك (تشبّع شرائي قرب مستويات 86) قد يُرجح احتمالية عودة السعر لاختبار مناطق دعم أقرب قبل أي صعود جديد. والفشل في تجاوز 148.50 قد يعزز سيناريو الهبوط التصحيحي باتجاه 147.00 وربما أدنى.

وبصورة عامة، السيناريو الإيجابي يتطلب اختراقًا واضحًا لمنطقة 149.00، مما قد يفتح المجال لاستهداف مستويات 150.50 وما فوق. أما السيناريو السلبي، فيتمثل في كسر مستوى 147.00، وهو ما قد يدفع السعر إلى إعادة اختبار 146.00. وعليه، فإن تحركات الزوج خلال الساعات المقبلة ستظل رهينة بحركة السعر بين الدعم 147.00 والمقاومة 148.50.

مستويات الدعم: 147.30 – 147.00 – 146.00

مستويات المقاومة: 148.50 – 149.00 – 150.50

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...