الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية
كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
في ظل تذبذب مؤشر الدولار الأمريكي وبقائه ضمن نطاق ضيق بين 97.50 و97.75، تبدو الأسواق في حالة ترقب شديد لما ستؤول إليه قرارات الفيدرالي وتداعيات الإغلاق الحكومي في واشنطن. وارتداد المؤشر من أدنى مستوياته خلال الجلسة الآسيوية لا يعكس قوة حقيقية اليوم، بل يعبر عن محاولة مؤقتة للصمود أمام ضغوط متزايدة من العوامل الاقتصادية والسياسية. وفي رأيي، هذا التماسك أشبه بمرحلة “انتظار” قبل أن يتحدد الاتجاه القادم بشكل أوضح، وهو ما يجعل الحذر عنوان المرحلة.
فتقرير الوظائف الأخير في القطاع الخاص الأمريكي كشف عن تراجع حاد غير مسبوق منذ عام 2023، بخسارة 32 ألف وظيفة في سبتمبر، إلى جانب مراجعة بيانات أغسطس بشكل سلبي، وهو ما يسلط الضوء على هشاشة سوق العمل. ومثل هذه الأرقام لا تترك للفيدرالي مساحة كبيرة للتأني والحذر، بل تضطره إلى الميل أكثر نحو التيسير النقدي، وقد بات خفض الفائدة مرتين إضافيتين هذا العام أقرب إلى اليقين. ومع ضعف بيانات التوظيف، فإن أي تعافٍ في الدولار سيظل هشًا ومؤقتًا، لأن الثقة في الاقتصاد هي العامل الأكثر تأثيرًا في استدامة قوة العملة.
أما القطاع الصناعي لم يقدم ما يدعم الدولار كذلك، فرغم تحسن طفيف في مؤشر مديري المشتريات، إلا أنه لا يزال عالقًا في منطقة الانكماش للشهر السابع على التوالي. وهذا الضعف يفرض ضغوطًا متراكمة على الاقتصاد الكلي، ويضعف جاذبية الدولار كملاذ استثماري. وبالنسبة لي، هذه الإشارات الواضحة تؤكد أن الدولار لا يملك محركات صعود مستدامة في المدى القريب، بل يظل عرضة لموجات بيع كلما ظهرت بيانات جديدة تؤكد التباطؤ.
كما أن الإغلاق الحكومي يزيد الأمر سوءً. حيث أن فشل الأطراف السياسية في تمرير ميزانية يعكس عمق الانقسام، وهو ما يؤدي إلى تعطيل البيانات الاقتصادية الحيوية، مثل تقرير الوظائف غير الزراعية، ويترك الأسواق في حالة ضبابية. وغياب هذه البيانات يعني أن المستثمرين سيعتمدون على تصريحات مسؤولي الفيدرالي لتوجيه قراراتهم، مما يجعل الدولار أكثر حساسية للتصريحات والمواقف السياسية. وفي تقديري، هذا العامل لا يقل خطورة عن ضعف الاقتصاد نفسه، لأنه يُفقد السوق البوصلة المرجعية في فترة حساسة.
وعلى المدى القصير، أرى أن الدولار يفتقد الزخم الكافي لتجاوز منطقة 98.00 بشكل مستدام، وأن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار التذبذب مع ميل هبوطي طالما ظل المؤشر تحت هذا الحاجز. كسر مستوى 97.20 سيكون إشارة مؤكدة على ضعف إضافي، وقد يفتح الطريق لمستويات أعمق نحو 96.60. أما في حال جاءت انفراجة سياسية سريعة تنهي الإغلاق، فقد نشهد ارتدادًا محدودًا، لكن ذلك لن يغير الاتجاه العام إلا إذا ترافق مع بيانات اقتصادية قوية، وهو أمر غير متوقع في المدى القريب.
والإغلاق الحكومي الأمريكي يُمثل في جوهره أزمة ثقة أكثر من كونه أزمة مالية مباشرة، إذ يؤدي توقف الوكالات الفيدرالية عن العمل إلى تعطيل نشر البيانات الاقتصادية الرئيسية التي يعتمد عليها المستثمرون لتقييم مسار الاقتصاد، مثل تقرير الوظائف والتضخم. وهذا التعطيل يخلق فراغًا معلوماتيًا يجعل الأسواق أكثر حساسية للشائعات والخطابات السياسية، مما يضع الدولار تحت ضغط مضاعف.
ومن جهة أخرى، فإن استمرار الإغلاق لفترة طويلة يخصم من النمو الاقتصادي بشكل مباشر نتيجة توقف بعض الأنشطة الحكومية وتأجيل الإنفاق، وهو ما يُترجم إلى تباطؤ في الناتج المحلي الإجمالي وتراجع في ثقة المستهلكين والمستثمرين. وفي رأيي، هذا المزيج من الغموض السياسي والضغط الاقتصادي يجعل الدولار عرضة للتراجع، خاصة إذا ترافق مع توجه الفيدرالي نحو التيسير النقدي، بينما يظل أثره على المدى الطويل مرهونًا بمدة الإغلاق وسرعة عودة المؤسسات الحكومية إلى العمل.
باختصار، الدولار يقف اليوم عند مفترق طرق حساس: ضغوط اقتصادية تفرض خفضًا إضافيًا للفائدة، وإغلاق حكومي يهدد بتعطيل البيانات وفقدان الثقة، مقابل محاولات باهتة للتماسك فوق مستويات الدعم الرئيسية. ومن وجهة نظري، الرهان على صعود قوي للدولار في الربع الأخير من 2025 يحمل مخاطر أكبر من فرصه، وأي قوة مؤقتة يجب أن تُعامل كفرص بيع عند الارتفاع، لا كمقدمة لاتجاه صاعد مستدام.
