البيتكوين تتراجع مع ضعف الزخم الصعودي وسط استمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي ومخاطر تصفية مراكز الرافعة المالية

بقلم سامر حسن، محلل أسواق أول في XS.com

مددت البيتكوين خسائرها اليوم، متراجعة بأكثر من 1% لتنخفض دون مستوى 123,000 دولار. ويأتي هذا التراجع بعد فترة من التقلبات الحادة التي شهدت خلالها العملة المشفّرة اختبار قمم جديدة عدة مرات، قبل أن تبدأ موجة الزخم القوي بالتراجع.

هذا الانعكاس في مسار البيتكوين يعكس فتور الزخم الصعودي القوي الذي دعم مكاسبها الأخيرة، ويأتي في وقت تتصاعد فيه المخاوف بشأن الإغلاق الحكومي الأمريكي الممتد. ومع غياب أي بوادر لحل قريب، بدأ المستثمرون بإعادة تقييم انكشافهم على المخاطر في مختلف فئات الأصول. إن غياب التقدّم في واشنطن، إلى جانب تصاعد الضبابية حيال السياسات الاقتصادية والإنفاق الحكومي، ألقى بثقله على الأصول ذات الطابع المضاربي مثل البيتكوين، التي تزدهر عادة في بيئات غنية بالسيولة.

ورغم ذلك، ما تزال البيتكوين تستفيد بشكل غير مباشر من الأداء القياسي للأسواق الأمريكية، حيث تستمر تدفقات رؤوس الأموال بالتنقّل ضمن الأصول عالية المخاطر. غير أن هذه العلاقة تبقى هشّة، إذ إن أي تصحيح مستمر في أسواق الأسهم أو استمرار الجمود السياسي قد يعزز المخاطر الهبوطية للبيتكوين، خصوصاً في ظل التراكم الضخم للمراكز ذات الرافعة المالية العالية في أسواق مشتقات العملات المشفّرة.

وقد تجاوز الإغلاق الحكومي الأمريكي أسبوعه الأول بالفعل، بينما لا يزال الكونغرس منقسماً بشدة بشأن خطة التمويل الجديدة. ووفقاً لوكالة أسوشييتد برس، فقد فشل مجلس الشيوخ مجدداً في تمرير مقترحات التمويل المتنافسة بين الديمقراطيين والجمهوريين، ما يعكس عمق الانقسام السياسي المتزايد. وقد ازدادت الأزمة تعقيداً بعد تصويت مجلس الشيوخ بفارق ضئيل بلغ 48 مقابل 51 صوتاً لعرقلة محاولة الحد من سلطة الرئيس ترامب في تنفيذ ضربات عسكرية ضد سفن يُزعم تورطها في تهريب المخدرات بمنطقة الكاريبي. ورغم غياب المفاوضات العلنية، أشارت الوكالة إلى أن محادثات هادئة بدأت بالفعل خلف الأبواب المغلقة بين أعضاء من الحزبين، تتركز على دعم إعانات الرعاية الصحية كمخرج محتمل للأزمة.

في الوقت نفسه، تبقى الأسواق عرضة لمخاطر كبيرة ناتجة عن الإفراط في استخدام الرافعة المالية داخل قطاع العملات المشفّرة. ووفقاً لبيانات CoinGlass، ارتفع حجم المراكز المفتوحة في عقود البيتكوين الآجلة إلى 94 مليار دولار يوم الثلاثاء، بعد أن كانت 77 مليار دولار في 28 سبتمبر، بينما ارتفعت عقود الايثريوم المفتوحة من 53 مليار إلى 63 مليار دولار خلال الفترة نفسها. هذا التوسع السريع في المراكز يزيد احتمالية حدوث موجات تصفية ضخمة شبيهة بموجة التصفية التي شهدتها الأسواق في 22 سبتمبر حين جرى تصفية مراكز شراء بقيمة 3 مليارات دولار في يوم واحد. ومع تراكم المراكز المموّلة بالرافعة، قد يؤدي أي تراجع طفيف في الأسعار إلى ضغوط بيعية مضاعفة، ما يعزز التقلبات ويقوّض الاستقرار على المدى القصير.

ورغم هشاشتها قصيرة الأجل، ما تزال البيتكوين تستمد قوتها من العوامل الاقتصادية الكلية الهيكلية. فبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، يتزايد عدد المستثمرين المنخرطين فيما يُعرف بـ “تجارة تدهور العملة”، وهي استراتيجية تعتمد على التحوّل نحو الأصول غير المقومة بالدولار مثل الذهب والبيتكوين وسلع ملموسة أخرى، وسط تصاعد القلق بشأن الأوضاع المالية الأمريكية واستقرار العملة. وقد شهد الذهب ارتفاعاً تاريخياً فوق مستوى 4,000 دولار للأونصة في الساعات الأخيرة، حتى في غياب أزمة ماليةحقيقة، ما يعكس عمق المخاوف حيال تصاعد الديون واضطراب السياسات واستمرار الضغوط التضخمية.

وفي هذا السياق، عززت البيتكوين مكانتها كبديل رقمي للذهب. إذ تجاوزت قيمتها في وقت سابق من هذا العام مستوى 125,000 دولار، مسجلة ارتفاعاً بأكثر من 30% منذ بداية العام، ما يعكس جاذبية متنامية للأصول الرقمية كأداة تحوّط ضد تدهور العملات الورقية. كما يتوسع حضور المؤسسات الاستثمارية في هذا المجال، مانحاً البيتكوين دوراً اقتصادياً كلياً أكثر وضوحاً داخل المحافظ المتنوعة. هذا التلاقي بين الذهب والبيتكوين يعبّر عن تحوّل أوسع في سلوك المستثمرين، من الاعتماد على الأصول المقوّمة بالدولار إلى البحث عن بدائل قادرة على حفظ القيمة في عصرٍ يتسم بعدم اليقين المالي وارتفاع الرافعة وتفتت المشهد السياسي.

وقد انعكس ذلك بالفعل في تدفقات صافية إيجابية تجاوزت 2.5 مليار دولار نحو صناديق البيتكوين الفورية خلال الجلسات الثلاث الأخيرة فقط هذا الأسبوع، وفقاً لبيانات SoSo Value.

وبالمحصلة، فإن تراجع البيتكوين الحالي يعكس انحسار الزخم قصير الأجل وارتفاع المخاطر المضاربية، إلا أن قصتها على المدى الطويل تبقى متشابكة بعمق مع البحث العالمي عن الاستقرار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...