زوج الدولار/ الين:هل تدعم بيانات التضخم المقبلة موجة صعود جديدة؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

يواصل زوج الدولار الأمريكي/الين الياباني رحلة صعوده المستمرة، حيث لامس في الجلسة الآسيوية المبكرة اليوم الجمعة مستوى 152.65، وهو أعلى مستوى له في أسبوعين، مما يعكس حركة واضحة في ميل المستثمرين نحو العملة الأمريكية في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي العالمي. وهذا الارتفاع لم يأتِ من فراغ، بل يعكس تفاعلاً مركباً بين عدة عوامل اقتصادية تتداخل فيها السياسة النقدية والتضخم وأسعار الطاقة، إضافةً إلى توقعات الأسواق لبيانات التضخم الأمريكية واليابانية المنتظرة.

ومن وجهة نظري، فإن الزخم الحالي للدولار أمام الين ليس مجرد تحرك تقني، بل يعكس تحولاً نفسياً في الأسواق. فالمستثمرون يترقبون صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي لشهر سبتمبر، التي ستكون محدداً محورياً لمسار السياسة النقدية الفيدرالية في الأسابيع المقبلة. والتوقعات تشير إلى ارتفاع المؤشر العام بنسبة 3.1% على أساس سنوي، وهي قراءة كافية للحفاظ على نبرة الحذر لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لكنها في الوقت ذاته قد تمنح الدولار دفعة إضافية في حال جاءت القراءة أعلى من المتوقع. أما في حال تباطأت وتيرة التضخم، فقد نشهد تصحيحاً محدوداً في الدولار مقابل الين، لكنه سيكون على الأرجح مؤقتاً في ضوء الفجوة العميقة بين توجهات البنكين المركزيين في واشنطن وطوكيو.

كما أن بيانات التضخم اليابانية الأخيرة التي أظهرت ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الوطني الياباني بنسبة 2.9% على أساس سنوي في سبتمبر، لم تكن كافية لإعادة الثقة إلى الين. فبرغم أن القراءة تجاوزت المستوى السابق البالغ 2.7%، فإنها لم تغيّر قناعة الأسواق بأن بنك اليابان لا يزال بعيداً عن أي تشديد حقيقي للسياسة النقدية. وفي المقابل، تشير التوقعات إلى أن البنك سيبقي أسعار الفائدة في مستوياتها المنخفضة خلال اجتماعه المقبل، مع احتمالات ضئيلة للغاية لرفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس قبل نهاية العام. وهذه السياسة التيسيرية المستمرة تشكل أحد أبرز أسباب ضعف الين الهيكلي، وتجعل أي محاولة لتعافيه محدودة ومؤقتة.

وأرى أن أحد العوامل التي زادت من الضغط على العملة اليابانية في الأيام الأخيرة هو ارتفاع أسعار النفط العالمية بعد إعلان الولايات المتحدة عن عقوبات جديدة على شركات روسية رئيسية مثل روسنفت ولوك أويل. اليابان، كونها من أكبر مستوردي الطاقة في العالم، تتأثر مباشرة بأي ارتفاع في أسعار النفط الخام، مما ينعكس سلباً على ميزانها التجاري ويزيد الضغوط التضخمية المحلية. ومع أن ارتفاع أسعار المستهلك قد يبدو إيجابياً من زاوية تحفيز البنك المركزي على مراجعة سياساته، إلا أن طبيعة هذا التضخم “المستورد” تجعله عبئاً على الاقتصاد الياباني بدلاً من كونه دافعاً للنمو. ومن هنا، أرى أن بنك اليابان سيواصل حذره الشديد، مفضلاً التريث على المجازفة برفع الفائدة في بيئة مالية لا تزال هشة.

ومن الناحية الأخرى، يحتفظ الدولار الأمريكي بمكانته كملاذ آمن نسبي في ظل حالة عدم اليقين العالمي. ومع استمرار التوترات الجيوسياسية وإغلاق الحكومة الأمريكية المؤقت، بقيت العملة الخضراء صامدة بفضل استمرار تدفق رؤوس الأموال الباحثة عن الأمان والعائد المرتفع. ويبدو أن الأسواق باتت مقتنعة بأن الاحتياطي الفيدرالي، حتى إن أقدم على خفض الفائدة في الأشهر القادمة، سيفعل ذلك بحذر شديد وبخطوات تدريجية، وهو ما يمنح الدولار ميزة نسبية أمام عملات منخفضة العائد كالين.

كما لا يمكن تجاهل أثر السياسة المالية في اليابان، حيث تتحدث تقارير عن نية الحكومة الجديدة بقيادة ساناي تاكايتشي إطلاق حزمة تحفيز مالي تصل إلى 14 تريليون ين لدعم الإنفاق الأسري ومواجهة ما يسمى “التعب التضخمي”. وهذه الخطوة، على الرغم من نواياها الإيجابية، قد تؤدي عملياً إلى مزيد من الضغط على الين من خلال زيادة السيولة في السوق المحلية، خاصة إذا لم تقابلها خطوات متوازنة من البنك المركزي لضبط المعروض النقدي. وبرأيي، فإن استمرار ضخ التحفيز المالي دون مرافقة نقدية مشددة سيجعل من الصعب على الين كسر الاتجاه الهابط الراهن.

ومن وجهو نظري،  ستبقى التوقعات على مسار الدولار مرتبطة بشكل أساسي بنتائج بيانات التضخم الأمريكية. فإذا جاءت الأرقام أعلى من 3.1%، فسيتجدد الحديث عن إمكانية تأجيل خفض الفائدة المنتظر من الاحتياطي الفيدرالي، مما سيعزز مكاسب الدولار على المدى القصير وربما يدفع زوج الدولار/الين لتجاوز حاجز 153 النفسي. أما إذا فاجأت البيانات الأسواق بتراجع التضخم، فقد نرى بعض التراجع في الزوج، لكن نطاق الحركة سيظل محدوداً في ظل غياب محفزات قوية لصالح الين.

كما أرى أن الاتجاه العام لزوج الدولار/الين لا يزال صاعداً طالما بقي فوق مستوى الدعم 151.80، وهو مستوى دعم نفسي قوي تدافع عنه المؤسسات اليابانية بشراسة. ومع استمرار فروقات العوائد بين السندات الأمريكية واليابانية عند مستويات واسعة، لا توجد حتى الآن مؤشرات على انعكاس مستدام في الاتجاه. ومع ذلك، يجب على المتداولين توخي الحذر من أي تدخل محتمل من جانب السلطات اليابانية في سوق الصرف إذا اقترب الزوج مجدداً من مستويات 153-154، حيث يمثل هذا النطاق خطاً أحمر في السياسة النقدية اليابانية غير المعلنة.

و يمكنني القول إن التحركات الأخيرة لزوج الدولار الأمريكي/الين الياباني تمثل انعكاساً للتباين العميق بين اقتصادين يسيران في اتجاهين متعاكسين: الولايات المتحدة التي تحاول تهدئة التضخم دون كبح النمو، واليابان التي تكافح لتحفيز الاقتصاد دون إشعال تضخم عنيد. وبرأيي، سيبقى الدولار مهيمنًا على المدى المتوسط طالما ظلت السياسة اليابانية تفتقر إلى أدوات ضغط فاعلة، غير أن أي تغير مفاجئ في مسار التضخم الأمريكي قد يعيد التوازن مؤقتاً. وحتى ذلك الحين، سيظل الزوج يتحرك في نطاق تصاعدي مدفوعاً بفجوة الفائدة وتوجهات الأسواق نحو الأمان النسبي للدولار الأمريكي.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...