الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية
تحليل الأسواق عن احمد عسيري استراتيجي الابحاث في Pepperstone
الضغوط البيعية تتواصل في الاسواق مع سردية التقييمات المرتفعة لأسهم التكنولوجيا حيث ساد الحذر وتراجعت شهية اخذ المخاطرة ، بينما جذبت الاضواء جلسة المحكمة العليا الأميركية بشأن صلاحيات فرض الرسوم الجمركية مع التركيز على المخاطر السياسية التي قد تورث ارتفاع التقلب الضمني في الاسواق.
استمرار لسردية الاسبوع ، شهدت الأسواق الأميركية استمرار للتراجعات ، حيث أغلق مؤشر S&P 500 منخفض بنحو 1.1% ، في حين خسر ناسداك 100 تقريباً 2% ليقود قطاع التكنولوجيا موجة البيع مع تزايد القلق حول استدامة الزخم الى الاعلى الذي دعم الأسهم طيلة الأشهر الماضية. هذه الحركة في تغير المعنويات جاءت لتضع سقف لسلسلة المكاسب التي غذّاها التفاؤل بمرونة الاقتصاد الأميركي واستمرار نمو الارباح ودعم السياسية النقدية ، لكنها أيضًا تكشف أن السوق قد بدأ في إعادة تقييم مبررات الارتفاعات القوية التي أوصلت مؤشرات الأسهم إلى مستويات خجولة من مستوى 7000 ومكرارات ربحية مرتفعة وهو ان الاخيرة اصبحت جزء من نسيج التقييمات قطاع التكنولوجيا خلال العامين الماضيين.
عوامل التراجع: ما بين الاقتصاد والسياسة
يمكن قراءة التراجع من زاويتين متداخلتين اقتصادية وسياسية. فمن الناحية الاقتصادية ، جاءت بيانات تسريحات العمال التي أعلنتها شركة تشالنجر ، غراي آند كريسماس عن سوق العمل لتسجل أعلى معدل إلغاء وظائف في شهر أكتوبر منذ عام 2003 ، وهو ما أثار تساؤلات حول متانة سوق العمل وفي ظل غياب بيانات سوق العمل اثناء الاغلاق الحكومي الحالي.
أما من الناحية السياسية ، فقد سرق الحدث القضائي الأضواء في واشنطن ، حيث نظرت المحكمة العليا الأميركية في قضية تتعلق بصلاحيات الرئيس في فرض رسوم جمركية من طرف واحد دون الرجوع إلى الكونغرس ، استناد إلى قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية. القضاة أبدوا شكوك واضحة في مدى دستورية هذه السلطة الواسعة ، وهو ما يفتح الباب أمام احتمال إعادة النظر في الإطار القانوني للسياسات التجارية التي شكّلت محور التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين خلال الفترة الماضية.
وفي الوقت الذي ينظر فيه المستثمرون إلى ملف الرسوم الجمركية بوصفه ملف ثانوي الان وذلك بسبب الاتفاقيات الموقعه وقدرة الادارة بفرض الرسوم بطرق اخرى ، إلا أن تأثيره في الواقع بالغ الحساسية ؛ لأن تقييد لقدرة الإدارة الأميركية على استخدام الرسوم كأداة تفاوضية سريعة، سيعني انحسار هامش المناورة في السياسة التجارية، وبالتالي إعادة الركود في ميزان القوة بين واشنطن وبكين في المدى المتوسط وابعد من فترة ال90 يوم المقبلة.
ردة فعل السوق: إنذار وليس ذعر
لا يمكن وصف تراجعات الاسبوع بأنه انهيار أو بداية دورة هبوطية حادة ، بل هو أقرب إلى اختبار واقعي لتماسك السوق. فالتقييمات المرتفعة التي تسود أسهم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أصبحت مكشوفة أمام التغيرات البسيطة في المعنويات أو البيانات او حتلى انخفاض التدفق الاستثماري في شركات الوزن الثقيل وانخفاض ناسداك بنسبة تقارب 2% يعكس ببساطة درجة الحساسية تجاه الأخبار السلبية ، أكثر من كونه تحولًا جذريًا في الأساسيات. اللافت أن التحركات لم تكن مصحوبة بارتفاع كبير في مؤشرات التقلب VIX ، مما يدل على أن مراكز المستثمرين لا تزال محافظة نسبيا ، وأن جزء من البيع كان بهدف جني أرباح مرحلي أكثر منه خروج من المخاطرة.
الأسواق الآسيوية تستقبل الإشارات بحذر
في الجلسة الآسيوية ، انعكست هذه التطورات على التداولات في طوكيو وسيول وهونغ كونغ. الأسواق افتتحت على تراجع جانبي على خلال مطلع الاسبوع ، فيما بقي حجم التداول محدود ، ما يدل على غياب الرغبة في المخاطرة حتى تتضح الصورة أكثر. ضعف شهية المخاطرة في آسيا يشير إلى أن التراجع انعكاس لتبدّل المزاج العام في الأصول عالية التقييم.
العوامل الفنية والاقتصادية التي تراقبها الأسواق
التركيز الآن يتجه إلى العوائد الأميركية على السندات لأجل عشر سنوات ، والتي ظلت مستقرة اعلى من 4% ، فيما يتابع المتداولون إشارات السيولة في سوق التمويل القصير الأجل مع ضغوط السيولة الملاحظة في الاسواق بسبب ارتفاع الاصدارت في سندات الحكومة قصيرة الاجل. الارتفاع في العائدات قد يضغط على الأسهم مجددًا ، بينما استقرارها يعطي فرصة للارتداد. الأسواق أيضًا في حالة ترقب للبيانات الرسمية التي قد تصدر حال انتهاء إغلاق بعض الإدارات الفيدرالية ، إذ إن نقص البيانات جعل قرارات التخصيص المالي تعتمد على قراءات جزئية ومؤشرات خاصة أكثر من اللازم.
الذهب ومستوى 4000 للاونصة
الذهب لا يبدو انه يتعامل مع مخاطر وشيكة على المدى القصير، بل لا يزال في مرحلة بناء قاعدة صحية. ومع اقتراب المتوسط المتحرك لـ50 يوماً من السعر الحالي ، قد نشهد تدفقات جديدة خصوصاً من المتداولين الفنيين ، كما حدث ست مرات هذا العام ، ومن المرجح أن تكون السابعة قريباً.
البيئة الكلية ما زالت داعمة رغم زيارة ترامب الآسيوية التي أبقت الوضع كما هو تقريباً. لهجة الفيدرالي الأكثر ليونة بخصوص خفض الفائدة بواقع 25 نقطة أساس في ديسمبر قد تحد من التوقعات الايجابية ، لكن تقليص برنامج التشديد الكمي وعودة النقاش حول شراء الأصول في السوق الثانوية يعوضان ذلك جزئيا. بالاجمال، مستويات الذهب دون 4000 تبدو منطقة تجميع جيدة.
الصورة الأوسع: مرحلة انتقالية في مزاج المخاطرة
من منظور استراتيجي ، يمكن القول إن الأسواق دخلت الآن مرحلة انتقالية بين بيئة ارتفاعات تقودها السيولة والسياسات التيسيرية الغير مؤكدة ، وبين بيئة أكثر انتقائية تُبنى فيها القرارات على جودة الأرباح وتماسك الاقتصاد الحقيقي. ما يحدث اليوم ليس بالضرورة نهاية للموجة الصاعدة ، لكنه يذكّر المستثمرين بأن الطريق لن يكون أحادي الاتجاه في غياب الخلفية النقدية الداعمة، وأن التقييمات المرتفعة تحتاج إلى بيانات قوية لتبريرها.
القضية المنظورة أمام المحكمة العليا تمثل نموذج واضح في امال تخفيف صعوبات العمل مع تعريفات قد تظهر وتختفي في يوم واحد ، وإذا أُقِرّ تقييد صلاحيات البيت الأبيض في فرض الرسوم ، فقد نشهد إعادة تسعير للعلاقات التجارية الأميركية الصينية بما ينعكس على الاتفاقيات الحالية ولكن لا ارى ذلك احتمالية كبيرة في الاجل القصير.
بالمختصر ، التراجعات بمثابة صفعة واقعية بعد موجة من الثقة المفرطة في استدامة المكاسب ، وهي في الوقت نفسه فرصة لإعادة التمركز الذكي للمستثمرين الذين يدركون أن المرحلة المقبلة ستكون أكثر انتقائية في العوائد وأقل تسامح مع المبالغة في التسعير. التحرك القادم سيعتمد على مدى قدرة الشركات الكبرى على دعم تقييماتها عبر نتائج وإرشادات مقنعة ، وعلى ما إذا كانت المحكمة العليا ستمنح الأسواق وضوح قانوني في ملف الرسوم الجمركية الذي طالما شكل مصدر قلق متجدد للمستثمرين
