توقعات الفضة (XAGUSD) 2025: إلى أين تتجه الاسعار بين شهية الشراء وتنامي مخاوف السوق؟!

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها أسواق المعادن النفيسة، تبدو الفضة اليوم في موقع حساس يعكس مزيجًا معقدًا من المعطيات الاقتصادية والاحتمالات المتوقعة على سياسات البنوك المركزية.

لذا أرى أن استعادة الفضة لمكاسبها فوق مستوى 50 دولارًا، ووصولها إلى حدود 50.88 دولار خلال الجلسة الاسيوية اليوم، ليس مجرد حركة تصحيحية عابرة، بل تعبير مباشر عن تفاعل السوق مع حالة الضبابية التي ترافق انتظار بيانات الوظائف غير الزراعية الأمريكية، وهي البيانات التي أصبحت بمثابة المحرك الرئيسي لاتجاهات شهية المخاطرة منذ بداية العام. ورغم أن المعدن الأبيض نجح في محو خسائره المبكرة، إلا أن ذلك لا يخفي حقيقة أن السوق لا يزال مترددًا، وأن المستثمرين يشترون الفضة اليوم بعقلية دفاعية أكثر منها استثمارية، في محاولة لتحصين محافظهم قبل صدور بيانات شديدة الحساسية.

ومن الواضح أن غياب البيانات الاقتصادية خلال الأسابيع السبعة الماضية، بفعل الإغلاق الفيدرالي، خلق حالة فراغ معلوماتي أربكت المتعاملين وجعلتهم يتحركون وفق سلوكيات أقرب إلى إدارة المخاطر منها إلى التوقعات المؤكدة.

وهنا تكمن نقطة جوهرية لهذه المرحلة، وهي أنه عندما يصبح السوق عطشًا للمعلومات، فإن أي إشارة تحمل وزنًا مضاعفًا وتدفع الأسعار لحركات غير اعتيادية. وهذا ما نراه بوضوح في حركة XAG/USD الأخيرة، حيث تتقدم الفضة بخطى محسوبة في وقت تتراجع فيه شهية المخاطرة العالمية، كما يظهر من انخفاض العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.25%. وهذه الإشارة وحدها كافية لتبرير جزء من التدفقات نحو الأصول الدفاعية، إلا أن الفضة، بخلاف الذهب، تبقى أكثر حساسية للبيانات الأمريكية ولمسار السياسة النقدية، مما يجعل صعودها الحالي محاطًا بمحاذير لا يمكن تجاهلها.

وعند التعمق في تطلعات السوق تجاه السياسة النقدية للاتحاد الفيدرالي، فإن الصورة تتضح أكثر، فاحتمالات خفض أسعار الفائدة في ديسمبر تراجعت إلى 43% بعد أن كانت تتجاوز 62% قبل أسبوع فقط. ومن وجهة نظري، هذا التحول السريع في توقعات الفيدرالي يعكس تقلبًا متزايدًا في ثقة المستثمرين بالمسار الاقتصادي الأمريكي وقدرة البنك المركزي على مواصلة دورة التيسير. والفضة، باعتبارها أصلًا غير مُدرّ للعائد، تتأثر مباشرة بهذه التحولات؛ فكلما انخفضت احتمالات خفض الفائدة، تراجعت شهية المستثمرين نحو الأصول التي لا تقدم عائدًا، وتعرضت أسعارها لضغوط بيعية محتملة. وهذا يعني أن الارتفاع الحالي فوق 50 دولارًا قد لا يكون مستدامًا ما لم تدعم البيانات القادمة فرضية تباطؤ سوق العمل بشكل واضح.

إضافة إلى ذلك، فإن التطور الأهم الذي يجب قراءته بعناية يكمن في حساسية الفضة لمعادلة “البيانات – السياسة – التوقعات”. فالمستثمرون لا ينظرون إلى بيانات الوظائف بوصفها رقمًا اقتصاديًا وحسب، بل باعتبارها مؤشرًا سابقًا لاتجاه التضخم وسرعة تباطؤ الاقتصاد.

وكل تراجع محتمل في نمو الوظائف سيُفسر فورًا على أنه دافع جديد للفيدرالي لاستئناف خفض الفائدة، ما سيعيد إحياء الطلب على الفضة، سواء من جانب المستثمرين أو من قطاعات الصناعة التي تستفيد من انخفاض التكلفة التمويلية. ومن هنا، أرى أن الفضة أصبحت عالقة بين عاملين متناقضين، هما ضغط التشديد النقدي من جهة، والرهان على ضعف سوق العمل من جهة أخرى، وهذه الثنائية ستبقى تحكم مسارها خلال الأسابيع المقبلة.

ومع ذلك، أعتقد إن استقرار الفضة فوق 50 دولارًا يشكل منطقة اختبار محورية، لكنها ليست منطقة أمان. وأي اختراق صعودي مستدام يتطلب إغلاقًا واضحًا فوق هذه المستويات مع أحجام تداول تدعم الاتجاه الصاعد. أما في حال جاءت بيانات الوظائف أفضل من المتوقع، فقد نرى عودة سريعة لاختبار مستويات الدعم القريبة، وربما موجة تصحيح أعمق إذا تعززت توقعات بقاء الفائدة مرتفعة لفترة أطول. وفي كلتا الحالتين، أرى أن الفضة تتحرك اليوم في نطاق مشحون بمعلومات ناقصة، وأن المستثمرين المحترفين سيواصلون التعامل معها بميزان دقيق حتى تتضح الصورة بالكامل.

وفي إطار رؤية أوسع للسوق العالمي، من المهم الإشارة إلى أن تراجع المخاطرة لا يأتي فقط من جانب التوقعات الأمريكية، بل أيضًا من حالة القلق الجيوسياسي العالمي وتزايد إشارات الركود الصناعي في عدة اقتصادات كبرى. وبرأيي، فإن الفضة باعتبارها تجمع بين الخصائص الاستثمارية والوظائف الصناعية تقع في منطقة وسطية تجعلها تتأثر بالضغوط الصناعية كما تتأثر بسلوك المستثمرين.

وهذا ما يميزها عن الذهب ويجعل تحركاتها أكثر واقعية. فبينما يعتمد الذهب بشكل شبه كامل على سياسات الفائدة والدولار، تبقى الفضة مشدودة إلى مسار التصنيع، خاصة في قطاعات الطاقة النظيفة والإلكترونيات، مما يضيف عوامل جديدة من التعقيد إلى قراءتها.

وفي النهاية، يمكنني القول إن الفضة تدخل الأسابيع القادمة متأثرة بثلاثة عوامل رئيسية: انتظار بيانات الوظائف، تراجع رهانات خفض الفائدة، وحالة الترقب التي يفرضها غياب البيانات خلال الفترة الماضية. ومن وجهة نظري، فإن الاتجاه سيظل محكومًا بقدرة البيانات المقبلة على إعادة رسم توقعات السياسة النقدية. فإذا جاءت البيانات ضعيفة، فقد نشهد موجة صعود متجددة تتجاوز 51.00 وربما تمتد نحو مستويات أعلى تدريجيًا. أما إذا اتسمت بالقوة، فستعود الفضة إلى مسار تصحيحي أقرب إلى الواقع الحالي للسوق. وفي كل سيناريو، سيبقى المستثمر الذكي هو من يقرأ هذه الإشارات بتوازن، ويدرك أن الفضة تتحرك في منطقة حساسة تتطلب إدارة مخاطر واعية ورؤية تحليلية بعيدة عن ردود الفعل السريعة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...