انعكاس صدمة وادي السيليكون على الأصول المشفرة: قراءة تحليلية في انهيار البيتكوين (BTCUSD) وسط تصحيح التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي!

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

في ضوء الاضطراب الحاد الذي تعيشه الأسواق العالمية، يتضح أن ما نشهده ليس مجرد حركة تصحيح عابرة، بل إعادة تسعير واسعة للمخاطر في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، تمتد تداعياتها بشكل مباشر إلى الأصول الرقمية وعلى رأسها البيتكوين التي تتداول حاليا عند 83,150 دولار. فالتقلبات وعدم اليقين في قطاع التكنولوجيا الكبرى، إلى جانب الضبابية المرتبطة بسياسة الاحتياطي الفيدرالي، دفعت المستثمرين إلى إعادة ترتيب محافظهم، وهو ما انعكس في الارتفاع الملحوظ لارتباط البيتكوين مع مؤشر ناسداك إلى أعلى مستوى له منذ أشهر. وبرأيي، هذا الارتباط المتزايد يعكس فقدان البيتكوين مؤقتًا لجزء من هويتها كأصل بديل، لتتحرك بشكل شبه كامل وفق مزاج السوق التقليدي.

وهنا الهبوط الحاد الذي سجله مؤشر ناسداك بنسبة 4% خلال جلسة الخميس، رغم نتائج إنفيديا القوية وتوقعاتها المتفائلة، يعكس مدى القلق الذي يمر به المستثمرون تجاه التكاليف الضخمة لبناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي. فالأسواق لم تعد تنظر إلى الأرباح الفصلية بقدر ما تركز على استدامة هذه الأرباح في ظل سباق شرس على مراكز البيانات وقدرة الشركات على تحمل الديون طويلة الأجل.

ومن وجهة نظري، هذا القلق مبرر، لأن الارتفاع غير المسبوق في الإنفاق الرأسمالي يجعل الكثير من شركات التكنولوجيا أقرب إلى نموذج مضاربي أكثر منه نموذجًا ذا تدفقات نقدية متوقعة. وكما تبع ناسداك هذا الهبوط، حذت البيتكوين حذوه وهبطت إلى ما دون 86 ألف دولار للمرة الأولى منذ أبريل، في دليل جديد على أن المستثمرين يتعاملون معها كأصل مخاطرة بامتياز وليس كملاذ آمن.

وفي المقابل، يظهر أن المزاج العام للمستثمرين لا يزال متأثرًا بمخاوف التقييمات المرتفعة التي تحيط بالسوق. ورغم ذلك، يذهب المشهد العام بالنسبة لي إلى أن الصورة الحالية لا تشير إلى انهيار وشيك، بل إلى فقاعة واضحة المعالم، وهو توصيف أتفق معه إلى حدّ كبير. غير أنني أرى أن الفقاعة ليست بالضرورة مقدمة لانفجار قريب، فقد تدوم الفقاعات سنوات قبل أن تصل لنقطة الانعكاس. وأرى استراتيجية تنويع الاستثمارات نحو الأصول النادرة كالذهب تبدو منطقية في المرحلة الحالية، خصوصًا مع تصاعد احتمالات فرض ضرائب على الثروة، وهو العامل الذي يشكل مصدر قلق أكبر لديه من تشديد السياسة النقدية. وبرأيي، هذا تصريح مهم لأن زيادة الضرائب على الثروة قد تدفع رؤوس الأموال للتحرك نحو الملاذات البديلة، ومنها البيتكوين والذهب على حد سواء.

لكن معنويات السوق تغيرت مباشرة بعد صدور تقرير الوظائف الأمريكية لشهر سبتمبر، والذي جاء أعلى من التوقعات مسجلاً 119 ألف وظيفة جديدة. وهذه المفاجأة دفعت المتداولين إلى الاعتقاد بأن الاحتياطي الفيدرالي قد لا يكون مستعدًا لتخفيف سياسته النقدية كما كان يُؤمل. وهنا تحديدًا ظهرت ردة فعل الأسواق: خفضت العقود الآجلة احتمالات خفض أسعار الفائدة مرتين حتى يناير 2026، في إشارة إلى تجدد الحذر بين مستثمري الأسهم والعملات الرقمية. وبالنسبة لي، أرى أن السوق تبالغ في قراءة هذه البيانات، لأن ضغوط الديون الأمريكية والعجز المالي المزمن سيجبران الفيدرالي عاجلًا أو آجلًا على تبني مسار أكثر لينًا، حتى لو حاول تأجيل ذلك إعلاميًا.

كما أن الإنفاق الضخم على الذكاء الاصطناعي، وخاصة على مراكز البيانات، يضيف حالة جديدة من الضبابية. والتصريحات الأخيرة من محللي التكنولوجيا حول “الطبيعة المضاربية” لهذه الاستثمارات، تذكرنا بشدة بفقاعة الإنترنت في أوائل الألفية، حين كان التسابق على بناء البنية التحتية يفوق بكثير قدرة السوق المستقبلية على توليد العوائد. لذا أرى أن ما يقلق المستثمرين ليس فقط الإنفاق نفسه، بل غياب الوضوح حول العائد طويل الأجل لهذه المشاريع. ولهذا، شهدنا تراجعًا تجاوز 7.8% في ناسداك من أعلى مستوى له في أكتوبر، مما أدى إلى خروج سريع من الأصول عالية المخاطر.

ومن وجهة نظري، هذا الخروج أدى إلى ارتفاع الارتباط بين البيتكوين وناسداك إلى نحو 80% خلال 30 يومًا، وهو مستوى يُظهر بوضوح أن مستثمري البيتكوين باتوا يتصرفون بالمنطق ذاته الذي يحكم تداول الأسهم التقنية. لذا، هذا الارتباط قد يستمر طالما ظلت البيئة الاقتصادية الكلية غير مستقرة، لكنه لا يغير من الأساسيات الجوهرية للبيتكوين كأصل رقمي نادر ومضاد للتضخم على المدى الطويل. والمتداولون ليسوا بالضرورة متشائمين عند مستويات أقل من 90 ألف دولار، بل ينتظرون نقاط دخول أوضح، خصوصًا مع التضارب الحاصل بين مؤشرات الاقتصاد الكلي وتوقعات السياسة النقدية.

وإذا أخذنا جميع ما سبق في الاعتبار، فقد يندم البائعون المذعورون على خروجهم من السوق، لأن السيولة قد تتحسن مجددًا مع استمرار أزمة الدين الأمريكي. كما أن دفع الرئيس دونالد ترامب نحو أجندة تحفيز قائمة على “توزيعات الرسوم الجمركية” قد يشكل مصدر سيولة إضافي يصب لصالح الأصول البديلة. وباعتقادي، فإن أي عودة للسياسات المالية التوسعية في الولايات المتحدة ستنعكس مباشرة على البيتكوين وتعيده إلى مسار صعودي متجدد.

وفي النهاية، ما يحدث الآن هو صراع بين قوتين: واقع اقتصادي ضاغط يرفع مستويات الحذر، وطموحات تكنولوجية ضخمة تستنزف رؤوس الأموال. وبين هاتين القوتين، يقف البيتكوين كمرآة لحالة السوق ويتراجع حين يخاف المستثمرون، وينطلق حين تتحسن السيولة. ورؤيتي أن المدى القريب سيظل متقلبًا، لكن المدى المتوسط والبعيد لا يزال يعطي إشارات إيجابية قوية، لأن الأسس التي تدعم نمو البيتكوين لم تتغير، بينما الأسواق التقليدية تدخل مرحلة من الضبابية قد تجعل الأصول المشفرة أكثر جاذبية مما تبدو عليه اليوم.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...