توقعات الذهب (XAUUSD): هل تعزز رهانات خفض الفائدة فرص اختراق مستوى 4,150 دولارًا؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

في ظل التطورات المتسارعة في أسواق المال العالمية، يواصل الذهب تأكيد مكانته كأحد أهم الملاذات الاستثمارية وأكثرها حساسية تجاه التحولات في السياسة النقدية الأمريكية. ومع اقتراب الأسعار من مستوى 4,150 دولارًا للأونصة خلال الجلسة الآسيوية اليوم، مدعومة بارتفاع ملحوظ في رهانات خفض أسعار الفائدة من قِبَل الاحتياطي الفيدرالي، يبدو واضحًا أن السوق يعيش مرحلة مفصلية قد تحدد مسار الذهب خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. ومن موقع الخبرة والتحليل الاقتصادي، أرى أن توازن العوامل الحالية يميل لصالح مواصلة المعدن الأصفر مكاسبه، وإن كان ذلك ضمن إطار من التقلبات المرتبطة بالبيانات الاقتصادية المنتظرة.

ولقد ساهمت التوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة في اجتماع ديسمبر في إعادة الزخم للصعود الأخير للذهب، حيث أظهرت آخر التقارير وصول احتمالات الخفض إلى نحو 79%، وهو ما يعكس تحوّلًا جوهريًا في المزاج العام للأسواق مقارنة بالأسابيع الماضية. فمن المعروف أن انخفاض الفائدة يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، إذ إن المعدن النفيس لا يدرّ عائدًا مباشراً، وبالتالي فإن تراجع عوائد السندات أو التوقعات بتراجعها في المستقبل يعزز جاذبيته بشكل كبير. وهذا ما رأيناه بوضوح في موجة الطلب الأخيرة، حيث دفع المستثمرون الأسعار نحو 4,140 دولارًا، مع تزايد التوقعات بأن الفيدرالي قد يحسم توجهه قريبًا نحو دورة تيسير نقدي أكثر وضوحًا.

والتصريحات الصادرة عن المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع تؤكد صحة هذا الاتجاه. فتصريحات كريستوفر والر التي أشار فيها إلى استمرار ضعف سوق العمل بما يكفي لتبرير خفض جديد للفائدة، إلى جانب مواقف مماثلة من ماري دالي، عمّقت قناعة المستثمرين بأن الفيدرالي بات أقرب من أي وقت مضى لاتخاذ قرار أكثر مرونة في اجتماع ديسمبر. وعندما تتقاطع تصريحات بهذا الوضوح مع بيانات تُظهر تباطؤًا معتدلًا في سوق العمل، فإن الرسالة تصبح واضحة: الفيدرالي يعترف بضرورة إعادة ضبط السياسة النقدية، ولو تدريجيًا، تجنبًا لإلحاق ضرر أعمق بالنشاط الاقتصادي.

لذا أؤيد الرأي القائل بأن الأسواق بدأت بالفعل في تسعير هذا المسار. فالقفزة من 30% إلى 80% في توقعات خفض الفائدة خلال أيام قليلة ليست حدثًا عابرًا، بل تعبيرًا عن تحوّل جذري في قناعة المستثمرين، وهو تحوّل عادة ما يُترجم مباشرة في حركة الذهب. بناءً على ذلك، أرى أن استمرار هذا الزخم مرهون بشكل كبير بمدى قوة البيانات الاقتصادية المرتقبة هذا الأسبوع، لا سيما تقارير ADP للتوظيف، ومبيعات التجزئة، ومؤشر أسعار المنتجين PPI، التي ستكون تحت المجهر بلا شك.

ومن الناحية التحليلية، يمكنني القول إن هذه البيانات ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد قدرة الذهب على تجاوز مستوى 4,150 دولارًا بثبات، أو تعرضه لضغوط تصحيحية مؤقتة. فإذا جاءت البيانات أقوى من المتوقع، فإن ذلك قد يدفع الدولار الأمريكي للصعود ويقلل جزئيًا من زخم الذهب، نظرًا للعلاقة العكسية التقليدية بينهما. وعلى الرغم من ذلك، فإن القوة المحتملة في تلك البيانات لن تغير الصورة الكبيرة ما لم تكن مفاجئة وبشكل كبير، لأن التوقعات السائدة لدى الأسواق تتعلق بتوجه الفيدرالي وليس بأداء شهر واحد من مؤشرات الاقتصاد.

وفي هذا السياق، أرى أن الأسواق أصبحت أكثر حساسية تجاه الأرقام التي ترتبط مباشرة بالتضخم وتكاليف الإنتاج، لأن الفيدرالي ربط قراراته المقبلة بشكل وثيق بمسار التضخم، لا سيما عبر مقاييس مثل مؤشر أسعار المنتجين. فإذا أظهر المؤشر ارتفاعًا معتدلًا متوافقًا مع التوقعات، فلن يكون لذلك تأثير سلبي قوي على الذهب، بل قد يعزز التوقعات بأن الفيدرالي لن يجد مبررًا للاستمرار في سياسة نقدية متشددة. أما إذا جاءت الأرقام أعلى بشكل ملحوظ، فقد تتراجع توقعات خفض الفائدة قليلًا، مما قد يخلق ضغطًا محدودًا على الذهب، لكنه في نظري يظل ضغطًا مؤقتًا في إطار مسار صعودي أوسع.

ومن زاوية أخرى، يجب النظر إلى التغير في شهية المخاطر عالميًا. في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية وتذبذب أسواق الأسهم، يعود الذهب باستمرار ليؤكد دوره كأصل دفاعي موثوق. وهذا العامل، برأيي، يمنح الأسعار دعامة إضافية تمنعها من الهبوط الحاد حتى في سيناريو صدور بيانات قوية نسبيًا. وفي الوقت نفسه، قد يؤدي أي تراجع في عوائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى تعزيز مكاسب الذهب بشكل مباشر، وهو أمر محتمل للغاية في حال جاءت البيانات الاقتصادية متوافقة مع رؤية الفيدرالي بشأن تباطؤ الاقتصاد.

بناءً على ما سبق، فإن وجهة نظري الحالية تميل نحو استمرار الذهب في محاولته لاختراق مستوى 4,150 دولارًا، وربما التوجه نحو مستويات أعلى إذا جاءت البيانات داعمة للسيناريو الأساسي لخفض الفائدة. ورغم احتمالية ظهور موجات تصحيح قصيرة، فإن الاتجاه العام يظل صاعدًا طالما بقيت توقعات الفيدرالي على حالها أو شهدت مزيدًا من التأكيد من قبل المسؤولين. وفي المحصلة، يمكن القول إن الذهب يدخل مرحلة قد تكون من بين أكثر المراحل حساسية خلال هذا العام، حيث تتشابك فيها البيانات مع السياسات النقدية ومع معنويات المستثمرين بشكل غير مسبوق، لكن محصلة هذه العناصر، في تقديري، ما تزال تشير إلى مزيد من القوة في الأسعار خلال المدى القريب والمتوسط.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...