كتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
في ظل الهبوط الذي شهده زوج الدولار/الين إلى مستوى 155.90 مؤخرا، والذي يبقيه قريبًا من قاع أسبوعي جديد، تبدو الصورة الحالية للزوج معقدة ومحمّلة بتقاطعات سياسية نقدية متناقضة بين الاحتياطي الفيدرالي وبنك اليابان. ومن وجهة نظري ، فإن هذا الهبوط ليس مجرد حركة قصيرة الأمد، بل هو انعكاس لتحولات أعمق في المزاج النقدي العالمي، وتحديدًا في الفجوة المتقلصة بين سياسات البلدين، والتي بدأت تُترجم فعليًا إلى ضغوط بيعية متراكمة على الزوج.
كما إن استجابة السوق خلال جلسة الخميس واضحة: دخول بائعين جدد على الزوج يعكس حالة انعدام الثقة في قدرة الدولار على الحفاظ على زخمه، خصوصًا بعد فشله في الاستفادة من الارتداد الضعيف الذي سجّله من مستوى 155.65، وهو أدنى مستوى في أسبوع. ومع اقتراب الأسعار الفورية من 155.90 مجددًا، فإنني أرى أن الزخم الهابط ما يزال مسيطرًا، وأن محاولات الارتداد باتت محدودة لأن السوق أصبح يتعامل مع كل ارتفاع كفرصة بيع جديدة، لا كمؤشر انعكاس. وهذا السلوك عادة ما يظهر عندما يقتنع المتداولون بأن الاتجاه العام قد تغيّر أو على الأقل يمر بمرحلة إعادة تسعير جذرية.
ويأتي الدور المحوري في هذه الضغوط من الين نفسه، الذي بدأ يستعيد بعض قوته مدفوعًا بتوقعات بتدخل رسمي للحد من تدهور قيمته، إلى جانب العودة المتوقعة لمسار رفع أسعار الفائدة من بنك اليابان. وبصفتي خبيرًا اقتصاديًا، أرى أن السوق لا ينتظر التدخل بحد ذاته، بل يتجاوب مع “إشارة” الاستعداد للتدخل، ومع حقيقة أن بنك اليابان بات أكثر صراحة في تهيئة المتعاملين لاحتمال رفع الفائدة الشهر المقبل، وفق ما نقلته رويترز.
وهذه التطورات تجعل الين أكثر جاذبية في المدى القصير لأنها تقلص الفجوة الطويلة بين سياسة اليابان النقدية شديدة التيسير وسياسات البنوك المركزية الأخرى. وفي ضوء ذلك، فإن الضغط على الدولار/ين ناجم عن إعادة تقييم جوهرية لتوقعات العائد، وليس مجرد رد فعل على أخبار عابرة.
في المقابل، فإن مسار الاحتياطي الفيدرالي يسير في الاتجاه المعاكس تمامًا، حيث تبقى توقعاته حذرة وتميل إلى تخفيف السياسة النقدية بنهاية العام. وبيانات مؤشر أسعار المنتجين الأمريكي (PPI) عززت هذا الاتجاه، بعدما أظهرت مزيدًا من دلائل تباطؤ التضخم، مما دفع المستثمرين لرفع توقعاتهم لخفض وشيك للفائدة ربما في اجتماع ديسمبر. ومن وجهة نظري، فإن هذا المزيج — ضعف بيئة التضخم، وتلميحات التيسير، والانخفاض النسبي في الزخم الاقتصادي — يجعل الدولار أقل قدرة على مقاومة الضغوط، خاصة أمام عملة تنتظر لحظة انعطاف تاريخية مثل الين. وهكذا، تتقاطع سياسات البنوك المركزية بطريقة تجعل أي ارتفاع للدولار أمام الين محدودًا ومؤقتًا.
لكن رغم كل هذه العوامل، يجب التنبه إلى أن الين لا يتحرك في بيئة مثالية. فالمخاطر المحيطة بالاقتصاد الياباني، وتحديدًا تدهور وضعه المالي وعجز الموازنة المتفاقم، إضافة إلى توجه رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي إلى سياسة تحفيز مالي واسعة، تشكل عوامل قد تُضعف الين كملاذ آمن، وتضع حدًا لوتيرة مكاسبه.
وبرأيي، فإن هذا الجانب هو الذي يمنع الهبوط الحالي للدولار/ين من التحول إلى انهيار سريع أو ممتد. فالأسواق تتعامل مع الين بمزيج من التفاؤل التكتيكي والقلق الاستراتيجي، مما يعني أن قوته الحالية مرتبطة بالظرف النقدي أكثر من ارتباطها بمتانة الأساسيات الاقتصادية اليابانية.
ويتزامن هذا المشهد مع أحجام تداول ضعيفة نسبيًا بسبب عطلة عيد الشكر في الولايات المتحدة، ما يقلل من موثوقية بعض الحركات السريعة في السوق ولكن لا يغيّر الاتجاه العام. فالضعف الهيكلي للدولار، وتحوّل توقعات بنك اليابان، وتراجع شهية المخاطرة عالميًا، تشكل معًا بيئة تميل بوضوح لصالح البائعين. ومن قراءتي للتدفقات الأخيرة، أرى أن المستثمرين أصبحوا أكثر اقتناعًا بأن نطاق 158–160 الذي كان يستهدفه المضاربون خلال الأسابيع الماضية أصبح بعيد المنال في ظل المعطيات الحالية، وأن السيناريو الأقرب هو اختبار مستويات دعم جديدة إذا بقيت السياسات النقدية على حالها.
وبناء على ما سبق، أعتقد أن زوج الدولار/ين يدخل مرحلة يعاد فيها ضبط التوازنات التي تجاهلها السوق لفترة طويلة. وإذا استمر الاحتياطي الفيدرالي في إشاراته التيسيرية، واستمر بنك اليابان في توجيهاته المتشددة، فإن الاتجاه الهابط سيستمر. ومع ذلك، تبقى وتيرة هذا الهبوط مرهونة بمدى استعداد السلطات اليابانية للتدخل الفعلي أو الاكتفاء بالتلميحات. وفي تقديري، فإن كسر مستوى 155.50 بشكل واضح قد يدعم مزيد من الانحدار، بينما سيظل أي ارتداد فوق 157.50 محدودًا في غياب تغيّر نوعي في البيانات الأمريكية.
وفي النهاية، ما نشهده اليوم ليس تقلبًا عابرًا، بل بداية مرحلة انتقالية في مسار الدولار/ين، حيث تتقدم العوامل الأساسية على العوامل الفنية، وتعود السياسات النقدية لتكون اللاعب الرئيسي. ومن وجهة نظري، فإن الين يمتلك أفضلية تكتيكية في الوقت الحالي، لكن هذه الأفضلية قد تتآكل سريعًا إذا لم يرافقها تحسن حقيقي في الوضع الاقتصادي الياباني. وحتى ذلك الحين، ستبقى الضغوط المزدوجة — مخاوف التدخل وتراجع نبرة الفيدرالي — هي العنوان الأبرز لحركة الزوج في الأسابيع المقبلة.
الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية