التكنولوجيا المفتوحة والسياسات الذكية.. الطريق نحو مجتمعات منتجة ومبتكرة

طلال أبو غزالة

التقنية ليست مجرد أدوات أو تطبيقات نستخدمها في حياتنا اليومية، بل محرك رئيس للنمو الاقتصادي، ولإعادة تشكيل المجتمعات وطريقة تفاعلها مع المعرفة. لكن القدرة على الاستفادة من هذه الثورة التقنية ليست متاحة للجميع بالشكل نفسه؛ فهي مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالسياسات التي تتبناها الدول مثل سياسات تشجع البحث والتعليم والانفتاح التجاري، أو سياسات حمائية تحد من الفرص وتضعف الابتكار.
التاريخ العالمي الحديث مليء بالدروس؛ فالدول التي استثمرت في التعليم والبحث العلمي، وربطت بين ذلك مع سوق مفتوحة للتجارة والتكنولوجيا، نجحت في تحويل أفكارها إلى منتجات وخدمات تغيّر الاقتصاد والمجتمع.
فمن اليابان إلى كوريا الجنوبية، ومن أوروبا إلى الولايات المتحدة، نرى أن الانفتاح على المعرفة والأسواق الأجنبية لم يكن ترفًا، بل شرطًا أساسيًا للنمو المستدام. في المقابل، السياسات الحمائية، مهما بدت مغرية لحماية صناعات محلية أو لاحتواء المنافسة، غالبًا ما تُضعف القدرة على الابتكار، وتحدّ من تدفق المعرفة والخبرات، وتخلق بيئة مغلقة تبقى فيها المجتمعات مستهلكة للتكنولوجيا بدلًا من أن تكون صانعة لها.
ومن المعروف أن المستقبل لمن يستثمر فيه اليوم بوعي وحرية، وليس لمن يكتفي بمراقبته من الخارج؛ لذا فالعالم العربي أمام مفترق طرق نختار فيه أن نغلق أنفسنا خلف حدود اصطناعية، أو نفتح أبوابنا أمام المعرفة والأسواق ونعطي الفرصة لأجيالنا لتكون جزءًا من الثورة الرقمية العالمية.
الاستثمار في البحث العلمي والتعليم ضرورة استراتيجية؛ فقد أثبتت الدراسات أن البلدان التي توظف سياسات تعليمية مبتكرة وتستثمر في البحث العلمي، تكون أكثر قدرة على استيعاب التكنولوجيا وتطويرها بما يخدم مجتمعها واقتصادها. والانفتاح التجاري هنا لا يقل أهمية؛ فهو يسمح بتدفق الأفكار والمهارات والابتكارات من خارج الحدود، ويخلق بيئة تنافسية تحفز الشركات المحلية على التطوير المستمر. ومن دون ذلك، تتحول التكنولوجيا إلى سلعة مستوردة، ونبقى متابعين لتقدم الآخرين بدلا من صناعته.
ولا أقول إن الطريق معبد بالورود لكنه سيسهل بوجود رؤية واضحة، وتخطيط طويل المدى، واستعداد للتضحية بالمصالح قصيرة المدى لصالح مستقبل أكثر ازدهارًا، مثل سياسات مبتكرة، وتعليم شامل، وبحث علمي متقدم، وانفتاح على الأسواق العالمية؛ فهذه هي المكونات الأساسية لمجتمع قادر على تحويل الثورة الرقمية إلى فرصة حقيقية لشعوبه.
في النهاية، السؤال الكبير الذي يطرح نفسه: هل سيكون العالم العربي مستهلكًا للتكنولوجيا فقط، أم سيصبح شريكًا في صياغة مستقبلها؟ فالاختيار بين الانغلاق والابتكار ليس مجرد قرار اقتصادي، بل مسألة استراتيجية لبقاء المجتمع وتقدمه. وإذا ما أردنا أن يكون لدينا حضور فعلي في عصر المعرفة، فلا بد أن نؤمن بالبحث والتعليم والانفتاح، ونعمل على حماية فضاء الابتكار من القيود الحمائية التي تخنق الفكر قبل الاقتصاد.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجرى سلسلة زيارات في طرابلس برفقة علي محمود العبد الله

السفير الصيني تشن تشواندونغ: شمال لبنان يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد اللبناني وإعادة ...

الحاج يكشف عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال والانتقال من النطاق الضيّق إلى النطاق العريض

كشف وزير الاتّصالات شارل الحاج عن خطة شاملة لإخراج قطاع الاتّصالات من سنوات الإهمال، والانتقال ...

مرقص في تكريم نقابة مصممي الغرافيك الإعلام اللبناني: نحو خطوات تكاملية بين الإعلام والغرافيك

اقامت  نقابة مصممي الغرافيك  احتفالا تكريميا   للإعلام اللبناني برعاية وزير الإعلام المحامي د. بول ...