توقعات النفط الخام (Crude OIL – WTI) : كيف تعيد قرارات دونالد ترامب بشأن حصار فنزويلا تشكيل توقعات الأسعار عالميًا؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

التحركات الأخيرة في سوق النفط تعكس بوضوح عودة العامل الجيوسياسي ليكون المحرك الرئيسي للأسعار بعد فترة من سيطرة المؤشرات الاقتصادية البحتة. وصعود النفط الخام  فوق مستوى 56.00 دولارًا للبرميل، ووصوله إلى نحو 55.75 دولارًا خلال جلسة التداول الآسيوية، لا يمكن قراءته بمعزل عن قرار دونالد ترامب فرض حصار على ناقلات النفط الفنزويلية الخاضعة للعقوبات، وهو قرار أعاد إلى الأذهان سيناريوهات اضطراب الإمدادات التي طالما دعمت أسعار النفط في مراحل سابقة. ومن وجهة نظري، هذا الصعود السريع بنسبة تقارب 1.25% في يوم واحد يعكس حساسية السوق المفرطة لأي إشارات تتعلق بالإمدادات، خصوصًا في بيئة عالمية لا تزال تعاني من هشاشة التوازن بين العرض والطلب.

لذا أرى أن فنزويلا، رغم تراجع وزنها النسبي في سوق النفط العالمي مقارنة بعقود سابقة، لا تزال تمثل عقدة جيوسياسية مهمة. والحصار المفروض على ناقلاتها لا يعني فقط خفض الصادرات الفنزويلية بشكل مباشر، بل يبعث رسالة قوية إلى السوق مفادها أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام أدوات أكثر تشددًا في إدارة ملف الطاقة والعقوبات.

وهذا البعد النفسي، في رأيي، لا يقل أهمية عن الأثر الكمي، لأن المتداولين غالبًا ما يسعرون المخاطر المستقبلية قبل تحققها فعليًا. لذلك أتوقع أن يستمر هذا العامل في توفير أرضية دعم لأسعار النفط الخام  على المدى القصير، طالما بقيت احتمالات التصعيد قائمة.

إلى جانب العامل الجيوسياسي، أعتقد أن بيانات المخزونات الأميركية جاءت لتمنح هذا الصعود مصداقية إضافية. فإعلان معهد البترول الأمريكي عن تراجع مخزونات النفط الخام بمقدار 9.3 مليون برميل في أسبوع واحد، مقابل توقعات السوق بانخفاض لا يتجاوز 2.2 مليون برميل، يعد إشارة واضحة إلى أن الطلب الفعلي أقوى مما كان مقدرًا.

ومن وجهة نظري، هذا الفارق الكبير بين التوقعات والنتائج يعكس إما تحسنًا في وتيرة الاستهلاك أو تراجعًا في الإمدادات، وفي كلا الحالتين نحن أمام عامل داعم للأسعار. وأرى أن السوق لم يستوعب بعد كامل تأثير هذا الانخفاض الحاد، خصوصًا إذا ما أكدته بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لاحقًا.

لذا أرى أن، تزامن التوترات الجيوسياسية مع تراجع المخزونات يخلق ما يمكن تسميته “تلاقي العوامل الصعودية”، وهو سيناريو غالبًا ما يدفع الأسعار لاختبار مستويات أعلى في فترة زمنية قصيرة. لذلك أتوقع أن يحاول النفط الخام  خلال الأسابيع المقبلة تثبيت تداولاته فوق مستوى 55 دولارًا، مع إمكانية استهداف نطاق 57–58 دولارًا إذا استمرت المؤشرات الحالية دون تغيير. غير أنني في الوقت نفسه أرى أن هذا المسار الصعودي يظل هشًا وقابلًا للانعكاس السريع في حال ظهور أخبار مضادة.

وأحد هذه العوامل المضادة يتمثل في التطورات المتعلقة بالحرب في أوروبا الشرقية. تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حول أن المحادثات مع الولايات المتحدة لإنهاء الحرب مع روسيا كانت “بناءة للغاية” تحمل في طياتها احتمال تخفيف التوترات الجيوسياسية الأوسع. ومن وجهة نظري، أي تقدم حقيقي نحو اتفاق سلام قد ينعكس سلبًا على أسعار النفط عبر تقليص علاوة المخاطر الجيوسياسية، وفتح الباب أمام تدفقات طاقة أكثر استقرارًا، سواء من روسيا أو من أسواق أخرى كانت متأثرة بالعقوبات والقيود.

وانطلاقًا من ذلك، أرى أن سوق النفط يقف حاليًا عند مفترق طرق حساس. في السيناريو الأول، استمرار الحصار على الناقلات الفنزويلية وتأكيد تراجع المخزونات الأميركية قد يدفع الأسعار إلى موجة صعود جديدة مدفوعة بالمضاربة والخوف من نقص الإمدادات. أما في السيناريو الثاني، فإن أي اختراق دبلوماسي في ملف أوكرانيا، أو إشارات إلى تهدئة سياسية أوسع، قد يعيد الأسعار سريعًا إلى نطاقات أدنى، ربما قرب 52–53 دولارًا للبرميل. شخصيًا، أميل إلى ترجيح سيناريو التذبذب المرتفع، حيث ستظل الأسعار مدعومة لكن دون اندفاع قوي، بانتظار وضوح أكبر في المشهدين السياسي والاقتصادي.

وفي الخلاصة، أعتقد أن النفط في هذه المرحلة لا يُسعَّر فقط بناءً على معادلات العرض والطلب التقليدية، بل أصبح رهينة توازن دقيق بين السياسة والمخزونات والتوقعات النفسية للسوق. وتوقعي الأساسي هو بقاء النفط الخام  في مسار عرضي مائل للصعود خلال المدى القريب، مع ضرورة أن يتحلى المستثمرون والمتداولون بقدر عالٍ من الحذر، لأن أي تصريح سياسي أو تقرير مخزونات غير متوقع قد يكون كافيًا لتغيير الاتجاه في لحظة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كركي: مضاعفة البدل المالي المقطوع للمؤسسات المتعاقدة مع الضمان

في إطار سعيه المستمر إلى تطوير نظام التقديمات الصحية وتعزيز استدامة التغطية الطبية للمضمونين، يستجيب ...

لبنان رائد في الجراحة الروبوتية: د. أنطوان معلوف يفتح آفاق تعاون طبي جديدة من الرياض

شارك رئيس مركز IRCAD لبنان الدكتور أنطوان معلوف في القمة السنوية للجراحة الروبوتية التي انعقدت ...

جوائز مبرة 2025 تعلن الفائزين وتكرّم أفضل الحملات والمحترفين والوكالات لهذا العام

واصلت جوائز جمعية الشرق الأوسط للعلاقات العامة (مبرة) صعودها اللافت عاماً بعد عام، إذ شهدت ...