كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
تمر أسواق النفط الخام حالياً بمرحلة دقيقة وشديدة الحساسية، تتقاطع فيها العوامل الجيوسياسية، والقرارات السياسية، مع تحولات هيكلية في العرض والطلب. ومن الواضح أن المسار نحو ارتفاع الأسعار بات ضيقاً ومعقداً، بل ويمكن القول إنه محفوف بالتحديات أكثر من أي وقت مضى. في الوقت الذي يترقب فيه المستثمرون والمتعاملون نتائج اجتماع أوبك+ المرتقب، تتباين الإشارات القادمة من السوق ما بين تفاؤل مشروط وتحذيرات صريحة من ضعف الزخم الصعودي. شخصياً، أرى أن السوق حالياً يتحرك في هامش ضيق بين دعم الطلب الطبيعي ومقاومة العرض الزائد، ما يعني أن أي صعود للأسعار سيبقى هشاً ومهدداً بالانقلاب.
وفي الأجل القريب، يشكل نشاط البيع المكثف في النفط الخام ضغطاً إضافياً على السوق. كما أنه يُظهر بوضوح هشاشة المعنويات الحالية. وحتى مع افتراض استمرار الطلب القوي على الطاقة، فإن التأثير النفسي لهذا النشاط البيعي لا يمكن تجاهله، خصوصاً في بيئة تخشى فيها الأسواق من أية إشارة تدل على تشبع في الأسعار أو عودة سريعة للإمدادات.
كما أن الطلب القوي وحده لا يكفي لحماية الأسعار من الخطر، خاصة مع عودة محتملة للإمدادات الإضافية من أوبك+، والتي قد لا تجد بسهولة مشترين في سوق بدأت تظهر عليه علامات الإجهاد. ومن وجهة نظري، فإن قرار أوبك+ بإعادة إدخال براميل إضافية إلى السوق هو محاولة مركبة تجمع بين اختبار مرونة إنتاج النفط الصخري الأميركي، وتحسين امتثال الأعضاء داخل المنظمة، وفي الوقت نفسه، استعادة ما يمكن تسميته بـ”الرافعة السوقية” التي تخول لأوبك+ التأثير مجدداً في حركة الأسعار. والمشكلة الحقيقية تكمن في التوقيت، فالأسواق العالمية الآن قد تكون غير مهيأة لاستقبال هذه الكميات الإضافية دون أن تتعرض الأسعار لقدر من التصحيح أو التراجع.
ورغم أن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة يبدو أنه بلغ ذروته، وهذا في حد ذاته عامل دعم، إلا أن عوامل أخرى مثل انتهاء صلاحيات تصدير النفط الفنزويلي وارتفاع المخاطر الجيوسياسية المحيطة بإيران تعمل كمصادر غير مضمونة لاستقرار السوق. وهذه العناصر، وإن كانت تشكل نوعاً من “ممتصات الصدمات”، إلا أني أراها مؤقتة وعرضة للتغير السريع، مما يجعل الرهان على استمرار تأثيرها محفوفاً بالمخاطر. والأسواق الآن بحاجة إلى استقرار من النوع البنيوي، لا إلى دعم ظرفي آتٍ من الأزمات.
فالتحول الاستراتيجي الذي أقدمت عليه أوبك+ لا يُعَد خياراً بقدر ما هو اضطرار فرضته المعادلة المعقدة بين الحفاظ على الحصة السوقية من جهة، ومحاولة دعم الأسعار من جهة أخرى. ومن المرجح أن تستمر هذه البراميل الإضافية بالتدفق خلال أشهر الصيف، حيث يكون الطلب الموسمي في أعلى مستوياته، ولكن التحدي الأكبر سيأتي بعد هذه الفترة، عندما يخف الطلب وتبدأ الأسواق بمواجهة فائض المعروض مجدداً. عندها، سيكون الطريق نحو أي ارتفاع مستدام للأسعار أكثر ضيقاً مما هو عليه الآن.
وما يعزز الأسعار على المدى القصير هو تصاعد التوترات حول روسيا، وزيادة احتمالات فرض عقوبات إضافية عليها، وهي عوامل رفعت الأسعار بشكل ملموس في اليومين الماضيين. كما أن فشل المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، الذي كان من شأنه أن يُطلق موجة جديدة من الصادرات الإيرانية، ساعد أيضاً على دعم السوق نفسياً. ومع ذلك، فإن هذه العوامل الجيوسياسية تظل سريعة التقلب وغير قابلة للتنبؤ، وبالتالي لا يمكن بناء استراتيجية استثمارية طويلة الأمد عليها.
ومن الملفت أيضاً، أن قرار المحكمة الأميركية بشأن إلغاء رسوم “يوم التحرير” التي فرضتها إدارة ترامب، شكل دعماً غير مباشر للسوق، وإن كانت إدارته قد سارعت إلى استئناف الحكم. فهذا النوع من التطورات القانونية والإدارية يُظهر كيف أن السوق لا يتحرك فقط وفق العرض والطلب، بل أيضاً تحت تأثير قرارات قد لا تكون اقتصادية بحتة. الأمر الذي يزيد من تعقيد المشهد العام ويجعل اتخاذ القرار الاستثماري أكثر صعوبة.
أما فيما يتعلق بقرار أوبك+ المرتقب بشأن إنتاج شهر يوليو، فإن التوقعات تشير إلى زيادة قد تبلغ 411 ألف برميل يومياً، وربما تستمر هذه الزيادات التدريجية حتى نهاية الربع الثالث. وأرى أن هذا التوجه يعكس رغبة قوية لدى أوبك+ للدفاع عن حصتها السوقية، حتى وإن جاء ذلك على حساب الأسعار في المدى القصير. وهذه نقطة محورية، لأن سلوك المنظمة في الفترة المقبلة سيكون عاملاً حاسماً في تحديد مسار السوق. فإن صادقت المجموعة على رفع مستويات الإنتاج بوتيرة مستمرة، فإن أسعار النفط ستكون مهددة بالدخول في نطاقات سعرية أضعف، خاصة بعد انتهاء فترة الطلب الموسمي.
والبيانات الصادرة عن معهد البترول الأميركي جاءت إيجابية نسبياً، خاصة مع انخفاض ملحوظ في مخزونات الخام الأميركية، وهو ما يعكس تحسنًا مرحليًا في مستويات الطلب. لكن من جهة أخرى، شهدت المنتجات المكررة أداءً متبايناً، مع انخفاض طفيف في مخزونات البنزين وارتفاع في نواتج التقطير. ومثل هذا التباين يدعو إلى الحذر، ويشير إلى أن التعافي في الاستهلاك ليس واسع النطاق بما يكفي لدعم أسعار النفط بشكل مستدام.
وأخيراً، تشير بيانات المضاربة إلى أن المستثمرين زادوا من مراكزهم الطويلة في عقود الغاز الأوروبي بسبب انقطاعات في الإمداد النرويجي. وهذه الحركة تعكس ميلاً عامًا في أسواق الطاقة نحو التحوط من المخاطر المتزايدة في الإمدادات، ولكنها أيضاً تدل على هشاشة الوضع، حيث إن أي اضطراب في سلسلة الإمداد يمكن أن يُحدث موجات تسعير مؤقتة لا تعكس بالضرورة أساسيات السوق.
وفي المحصلة، أرى أن السوق يتحرك حالياً في إطار محدود من الاحتمالات، حيث تمارس أوبك+ لعبة موازنة دقيقة بين الإمداد والطلب، وتحاول الحفاظ على نفوذها في سوق باتت أكثر تقلباً من أي وقت مضى. والطريق إلى ارتفاع الأسعار ممكن، لكنه محفوف بالعقبات، ويعتمد إلى حد كبير على حسن إدارة المعروض، واستمرار الطلب، وغياب المفاجآت الجيوسياسية الكبيرة.
التحليل الفني لـ النفط الخام ( USOIL – WTI ):
![]() |

يشير الرسم البياني لعقود النفط الخام (USOIL) على الإطار الزمني الأربع ساعات إلى بداية تشكل اتجاه صاعد محتمل بعد الارتداد القوي من منطقة الدعم المحورية ما بين 60.13 و60.50، والتي تمثل تداخلًا فنيًا هامًا بين تصحيح فيبوناتشي 23.6% والمتوسط المتحرك البسيط لـ20 فترة. وهذا التفاعل الإيجابي من الدعم يعكس رغبة السوق في الحفاظ على هذه المستويات كقاعدة انطلاق نحو إعادة اختبار المقاومة الفنية الأهم عند 65.00، خاصة في ظل وجود نموذج هارمونيك صاعد (احتمال تفعيل نمط “Bullish Gartley”) قد يدعم هذه النظرة على المدى القريب.
والمؤشرات الفنية، وبخاصة مؤشر ستوكاستيك، تُظهر حاليًا تقاطعًا صعوديًا من مناطق التشبع البيعي، مما يعزز فكرة استمرار الزخم الإيجابي في الجلسات القادمة. إضافة إلى ذلك، فإن مؤشر القوة النسبية(RSI) يخترق مستوى 50 صعودًا، وهو ما يُعتبر إشارة تأكيد إضافية على تحسن المعنويات الشرائية. ولكن، يبقى التحدي الرئيسي متمثلًا في اختراق المقاومة قصيرة المدى عند 63.00 (المتوسط المتحرك لـ50 فترة) قبل استهداف الحد العلوي للنطاق عند 64.17 ثم 65.00 لاحقًا. وهذه المستويات ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان السعر قادرًا على الانفصال فعليًا عن نطاق التماسك العرضي الذي بدأ منذ أوائل أبريل.
ومن جهة أخرى، في حال فشل السعر في الحفاظ على منطقة 60.13-60.50، فإن السيناريو الهابط سيعود إلى بقوة، خاصة مع وضوح وجود خط اتجاه صاعد مكسور سابقًا يُمكن أن يعيد جذب البائعين. والكسر دون هذا المستوى سيعيد تركيز السوق على الدعم التالي عند 58.04، وهو مستوى دعم متوسط الأجل، وقد يمتد الهبوط نحو القاع الرئيسي عند 54.70 إذا تصاعدت الضغوط البيعية أو طرأت مفاجآت على جانب العرض العالمي. فسلوك السعر حول 60.13 سيحدد بشكل واضح الاتجاه التالي.
مستويات الدعم: 60.13 – 58.04 – 54.70
مستويات المقاومة: 63.00 – 64.17 – 65.00